Sunday, April 08, 2012

أحزان رمضانية!! نشر هذا المقال فى 21 أغسطس 2011

يأتى شهر رمضان هذا العام بطعم مختلف ... منذ ثلاثين عاما أو يزيد تعود المصريون أن ينظروا إلى هذا الشهر على أنه شهر التليفزيون، وأصبحت الأجيال تُنسب إلى "فوازيرها"، فذاك جيل فطوطة أو نيللى، وهذا جيل شيريهان، وفجأة انقطعت الأجيال أو تمييزها على الأقل بهذه الطريقة، فقد باخت الفوازير إلى درجة أن أحدا لن يتذكر مثلا أنه قد ظهرت فى العام الماضى "واحدة" تدعى ... (نسيت اسمها للحظة ثم تذكرته: مريم فارس)، قدمت فوازير ليست فوازير، ورقصا أشبه بارتعاشات الصرع، وأغنيات أقرب إلى الزار. كان السبب فى فقدان بهجة الفوازير هو أن الحياة اليومية باتت فزورة كبرى، كان خاتمتها الانتخابات التشريعية "بتاعة" أحمد عز، التى فاق التزوير والفُجر العلنى فيها كل تصور، ثم جاءت فزورة "خليهم يتسلوا"، أو بكلمات أخرى: "فيلشربوا من البحر، أو يخبطوا رأسهم فى الحيط"، وكان أن خبطنا رؤوسنا بالفعل، ولكن فى رأس النظام، الذى تهاوى بعد أن خاض دور شطرنج طويلا مع الشعب. نتصور أحيانا أننا قد انتصرنا فى هذه المباراة، والحقيقة أن "الطابية" قد تدخلت بما بدا للحظة أنه لصالحنا، لكن بعد استراحة قصيرة من توتر اللعب أدركنا الحقيقة المرة: الطابية تريد أن تصبح الملك!! لذلك يأتى رمضان هذا العام بطعم مختلف. فى كل صباح رمضانى هناك فرصة أمام ربات البيوت بشكل خاص أن ترين المسلسلات والبرامج التى لم تتمكن من رؤيتها فى الليلة السابقة، لكن فى اليوم الرابع عشر من رمضاننا هذا كانت المحطات تذيع محاكمة حبيب العادلى "المدنية" بتهمة قتل الثوار، فى "شو" إعلامى لطيف يجلس فيه الرجل كأنه فى نزهة قصيرة. فى الوقت ذاته كان هناك حدث مهم يجرى دون أن يدرى به أحد، لأن التليفزيون لم يهتم به حتى كخبر قصير، وهو تحويل أسماء محفوظ للنيابة "العسكرية"، ولأنها غير مشهورة بالمعنى التليفزيونى، ولا يراد أن تكون مشهورة، فقد قامت وسائل الإعلام بأن "كفت على الخبر ماجور"!! من هى أسماء محفوظ؟! فتاة مصرية تشبه أخواتنا وبناتنا، كانت من بين شباب مصر الذى خرج فى يوم 25 يناير، وقامت على أكتافه كل الأمجاد المزعومة التى تشدقت بها فصائل عديدة، مثل حديث عصام العريان عن "خطط" الإخوان المسلمين" للثورة منذ زمن طويل، وهم الذين انتهزوا ومايزالون ينتهزون أى انتصار يحرزه غيرهم. لماذا تم تحويل أسماء للنيابة العسكرية؟ لأنها نبهت إلى أن المجلس العسكرى يرتكب خطأ فادحا بتصرفاته التى يحار فى فهمها كل لبيب، وحذرت من أن سياسة المجلس إياه سوف تؤدى إلى تيارات من العنف. النكتة الأولى هنا هو اتهام الفتاة البريئة بالدعوة إلى العنف، وهى التى بح صوتها ورفاقها من أبناء الشعب المصرى بالهتاف: "سلمية سلمية"، بينما كانوا يلاقون أبشع وسائل العنف على أيدى رجال العادلى، الذى كان يبتسم فى قفص محاكمته فى يوم التحقيق مع أسماء. النكتة الثانية هى أن جلسة محاكمة العادلى "المدنية" انتهت بينما استمر التحقيق "العسكرى" مع أسماء ساعات عديدة. عبثا حاولت أن تقنع المحققين بجدية تحذيرها، الذى لا يعنى أبدا أنها شخصيا سوف تلجأ للعنف، وإنما أن المجلس العسكرى يمارس مرة أخرى سياسة "خليهم يتسلوا"، بما سوف يعيد الدائرة إلى بدايتها (أنظر أعلاه!!)، أو لأن هذه السياسة التى تلعب لعبة خطيرة هى التى تستخدم قوى العنف والإرهاب لتضرب قوى الثورة، وما تزال مظاهرات السلفيين فى الأذهان، ورفعهم صور بن لادن ورايات تنظيم القاعدة وأعلام السعودية، ولم يتم التحقيق مع أحدهم أبدا برغم ارتكابهم ما يرقى إلى الخيانة العظمى، كما لم يتم التحقيق مع ما يسمونهم "البلطجية"، الذين اعتدوا على الثوار تحت سمع وبصر المجلس العسكرى مرتين، مرة فى "الجمل" وأخرى فى "العباسية"، بينما يتم التحقيق مع أسماء لأنها أطلقت نداء على "تويتر"!! أُفرج عن أسماء بكفالة عشرين ألف جنيه فى النيابة العسكرية، فى الوقت الذى كانوا قد أفرجوا عن عائشة عبد الهادى فى النيابة المدنية بنصف هذا المبلغ لاشتراكها فى "معركة الجمل"!! ولم تظهر هيئة سياسية واحدة تعرض دفع الكفالة فقام الشباب بجمعها من بعضهم، وقد فات عليهم – لأنهم مشغولون بالثورة – أن يشاهدوا مسابقة "بيبسى" المحمومة على شاشات التليفزيون، التى تعرض جوائز تكفى للإفراج عن العديد منهم أمام النيابة "العسكرية"، وربما تفادى الثوار أن يستعينوا بـ"بيبسى" حتى لا تثبت التهمة التى أطلقها "واحد" يقال أنه مطرب وملحن، اسمه عمرو مصطفى، ظهر فى العديد من البرامج التليفزيونية الرمضانية هذا العام، ليقول إن هذا البيبسى خطط للثورة تحت شعار "اشرب وعبّر" أو "اتكلم واشرب"، لست أدرى على وجه اليقين، وأن بيبسى حين ذكر احتفاله بمرور 125 عاما على انطلاقه كان يعطى إشارة بدء الثورة لأتباعه فى اليوم 25 من الشهر 1!! جاء ذلك فى أحد البرامج التليفزيونية، بينما كان موقع "يوتيوب" يبث شريطا قصير يؤكد فيه أن كلمة "بيبسى" تعنى "ادفع كل قرش لتنقذ اسرائيل"، مع أن اسم هذا المشروب يعود إلى "إنزيم" يدعى "بيبسين"، كما أنه ظهر قبل أن يكون لكلمة "إسرائيل" أى معنى غير الإشارة لنبى الله يعقوب، ولكى يزداد الأمر "لخبطة" فقد كان هذا الشريط الهزلى لمرشح الرئاسة عن السلفيين حازم أبو اسماعيل، الذى كان "الوحيد" – حتى كتابة هذه السطور – الذى أدان بكلمات بالغة الحدة والوضوح تحويل الشباب الثائر للمحاكمات العسكرية!! حد فاهم حاجة؟!! فى هذا الواقع المضطرب أتى رمضان هذا العام، وكنت لسذاجتى قد توقعت أن يكون رمضان ساخنا، يتحول فيه "الميدان" إلى ساحة للاحتفال السياسى والكرنفالى فى وقت واحد، فإذا بنا نقرر أن نأخذ "أجازة" من السياسة فى رمضان لنجلس أمام شاشات التليفزيون، فى الوقت الذى قرر فيه المجلس العسكرى "احتلال" الميدان، مع أول يوم من الشهر، وأن يُجلى عنه قوات "الأعداء" الذين جاءوا للإفطار فيه، بينما احتلت قوات الثورة المضادة شاشات التليفزيون. جلسنا أمام الشاشات نتلقى برامج غسيل الدماغ، التى تعبث فى عقول ملايين المتفرجين، الذين باتوا أقرب لعدم فهم ما يجرى بسبب التباس المواقف، هل ما حدث ثورة؟ هل قامت الثورة بهدف إقصاء مبارك أو حتى محاكمته، لكى يجلس مكانه "جنرال" من نظامه، لتصدق "نبوءة" عمر سليمان عن الانقلاب العسكرى، ليكون ذلك هو أول انقلاب عسكرى يُعلن عنه قبل وقوعه؟ هل المسألة مجرد تغيير فى الوجوه بينما يبقى الوضع على ما هو عليه، هذا الوضع الذى يعنى أن تظل مصر دولة تابعة، وأن يقوم اقتصادها على الطفيلية التى من توابعها أقصى درجات الظلم الاجتماعى؟ وهل بدأت الديكاتورية حقا مع نظام عبد الناصر الذى يقع ضمن "الستين عاما" التى يذكرونها دائما عندما يتحدثون عن "الماضى"، لتزول الفروق الجوهرية بين نظام ناصر الذى لا يفرق بين الديموقراطية السياسية والاجتماعية، ونظامى السادات ومبارك الذين يقومان على تكوين عصابات النهب المنظم للأوطان؟ وسط هذه "اللخبطة" ظهرت برامج رمضانية تكائرت كأنها الخميرة التى كانت نائمة ثم استيقظت فجأة، وأنا أعترف للقارئ بعجزى عن معرفة إذا ما كانت تلك مصادفة أم تخطيطا منظما، أن يظهر مثلا تامر أمين فى العديد من الشاشات على مدى أيام متناثرة، ليقول أنه وزملاءه فى "البيت بيتك" هم الذين أشغلوا فتيل الثورة، أو أن نرى أسامة سرايا يشرح فلسفته فى الدفاع عن الحزب الوطنى، أو حسام البدراوى يحكى بالتفصيل الممل عن "نضاله" لكى يعود مبارك إلى صوابه، ناهيك عن طلعت زكريا، أو تامر الآخر (حسنى). ولست ضد أن يظهر هؤلاء وغيرهم ليدافعوا عن مواقفهم، لكن ما دام التليفزيون قد قرر أن يأتى هذا العام ببرامج "سياسية" فى قالب ترفيهى، فلماذا لم يستخدم ذلك فى تصحيح بعض المفاهيم بدلا من زيادة تشويهها على طريقة "الليبرالية يعنى أن أمك تقلع الحجاب" (!!!)، ولماذا لا يهدف للتنوير بدلا من ضرب كل الكراسى فى "الكلوبات" بالسخرية الجامحة من أى حديث سياسى جاد، فى عشرات البرامج التى تحاكى بشكل هزلى برامج "التوك شو"، حين يقال لنا مثلا أن الحرية اشتقت اسمها من "الحر"، أى من الجو الحار؟!! من جانب آخر هناك برامج تغذى النزعة العدوانية فى نفوس المشاهدين (ما هى ناقصة!!)، برامج تقول للمتفرج أن يضحك وهو يرى شخصا فى مأزق رهيب، وكأنها فى الحقيقة نوعا من تعويد الناس على العنف الذى استشرى فى الآونة الأخيرة منذ ما أُسمى "الانفلات الأمنى"، وهو اسم الدلع للتفريط الأمنى المتعمد، من السلطات القائمة على شئون البلاد، السلطات السابقة واللاحقة، التى تستخدم هذه الفوضى لتأسيس سلطتها والحاجة للاستعانة بها. ولست أدرى فى الحقيقة أين ذهبت "الدولة"، فالثورة لم تتوجه للحظة لتقويض الدولة أبدا، بل للنظام، فكانت النتيجة أن اختفت الدولة وبقى النظام!! ما الذى يحدث؟ إننى أنظر إلى شاشات التليفزيون وأحاول القراءة، فلا أرى سوى إعادة إنتاج للمرحلة السابقة، كل ما حدث أن مبارك وولديه وراء القضبان، بشكل مؤقت أو دائم؟ حقيقة أم تمثيلية؟ لا يهم، فالمهم ألا يتغير شىء، بل ربما يصير أسوأ، حين تصبح المحاكمات العسكرية هى "العادية"، فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد كما قال الرائع الراحل أمل دنقل، لكن هل لن تبقى وراء شهدائنا إلا دمعة سدى؟ هل نصوم طويلا عن السياسة؟ هل نعود إلى الحظيرة؟ تساؤلات تجعل لرمضان هذا العام طعما آخر، كأنها الهزيمة بنكهة الانتصار، وياليتها لا تكون!!

الرمز في فن السينما بين النوافذ المغلقة والأبواب المفتوحة

في الفيلم الكوميدي الأمريكي "كيف تقتل زوجتك"، تزوج البطل جاك ليمون من الزوجة الإيطالية الحسناء فيرنا ليزي، التي قلبت له حياته كرجل أعزب طليق رأسا على عقب، فكانت تحتل السرير بطعامها الإيطالي، وتتفرج ساعات طويلة في التليفزيون على أفلام "الكاوبوي"، وعندما تشاهد معركة طاحنة بإطلاق الرصاص كان يختلط عليها الأمر، فتسأل زوجها: "من الذين يرتدون القبعات البيضاء؟ الأخيار أم الأشرار؟" قد تبدو هذه الجملة مجرد نكتة، لكنها حقيقة سينمائية في كل أفلام "الكاوبوي" حاول بها صناعها إرسال رسالة رمزية إلى المتفرج، تتسلل إلى وعيه دون أن يفكر كثيرا، وتلك هي وظيفة الرمز في الفن بشكل عام، والسينما بشكل خاص. وقد عرض في مصر مؤخرا فيلم لخالد يوسف" يحمل اسم "كف القمر"، يقول صناعه أنه "رمزي"، إذ أنه يحكي عن امرأة تدعى قمر، ويؤكدون في أحاديثهم الصحفية عن الفيلم أنها ترمز إلى مصر، لقد تفرق أبناؤها في البلاد، وعندما يبدو أن وفاتها قد اقتربت تدعو ابنها الأكبر أن يلم شمل أخواته، وتقطع يدها (!!) وتعطيها له كي يجمع الأصابع الخمس، وبالطبع فإن الرمز هنا شديد الفجاجة إلى درجة عدم التصديق، الأمر الذي يجعله أيضا مشوشا وغامضا ولا يوحي بدلالات تتجاوز هذه المعادلة الفجة!! مشكلة الرمز في الفن أن البعض يتصورونه أقرب إلى الرموز والمعادلات الرياضية، س تساوي كذا وص تساوي كيت، بما يحيل الفن إلى كائن ميت، ويجعل العمل الفني قابلا للاختزال في جملة أو اثنتين، لكن الدور الحقيقي للرمز هو أن يجعل العالم الخاص للفيلم أكثر رحابة، أو أنه يراوغ نوعا من الرقابة التي تمنع الإشارة الصريحة لحقيقة ما. تأمل مثلا الرمزية في فيلم واقعي تماما، هو "سارقو الدراجة" لدي سيكا: البطل العاطل وجد عملا يتطلب منه أن تكون لديه دراجة، لكنها تسرق منه فجأة، وهنا تتجول الكاميرا معه بجنون في شوارع المدينة، لترى الدراجات تجري هنا وهناك، فلا تملك إلا أن تقول لنفسك: أليس وراء كل منها قصة مأساوية مشابهة؟ وفي مشهد آخر تذهب الزوجة لتبيع ملاءات السرير بسبب الحاجة إلى المال، فتتصاعد الكاميرا إلى صف طويل من الملاءات، ليدرك المتفرج المعنى الرمزي بأن الفقر يضرب بجذوره في هذا المجتمع. سوف تجد في السينما العالمية العديد من نماذج الرمزية وتنويعاتها، مثل "استعراض ترومان"، الذي قد يعني اسم بطله "الإنسان الحقيقي"، والبطل (جيم كاري) يعيش حياة رتيبة يرضى بها دون تذمر، لكنه يكتشف فجأة أنه يمثل دون أن يشعر في برنامج تليفزيوني يراقبه طوال يومه وليله، إنه إذن يعيش حياة مقررة سلفا بواسطة المخرج، وهو يريد أن يتحرر من هذا المصير. وفي فيلم "فوريست جامب" بطل (توم هانكس) ليست رحلة حياته كلها إلا تلخيصا للتاريخ الأمريكي المعاصر، كما أن "أوديسا الفضاء" يصل به الطموح إلى محاولة تلخيص مسيرة البشر منذ مئات الآلاف من السنين في الماضي والمستقبل. وعلى جانب الرسالة الرمزية غير الواعية، توصل لك الأفلام في أحيان كثيرة أفكارا عنصرية، ولعلك تتذكر أننا في طفولتنا كنا نفرح لأن "طرزان" الأبيض الوسيم يقهر الأفريقيين المتوحشين، لتستقر في أذهاننا ولا وعينا رسالة عن تفوق العنصر الأبيض على كل الملونين، ونحن منهم!! قد تبحث في السينما المصرية طويلا حتى تجد هذا البعد الرمزي الخفي، ولعل السبب الرئيسي في اللجوء إلى الرمز هنا هو الهروب من قيود رقابية وسياسية، لتسريب النقد الحاد إلى الواقع، مثلما هو الحال مع فيلم جلال الشرقاوي "الناس اللي جوه"، الذي حاول تقديم هجاء للواقع الاحتماعي، متمثلا في عمارة آيلة للسقوط، لكن معظم سكانها ينكرون ذلك أو يتجاهلونه، بينما أصحاب البيت (السلطة) لاهية في الاستمتاع بمزاياها. وهو ما تكرر بشكل أنضج في فيلم صلاح أبو سيف "القضية 68"، عن سكان يتصارعون بينما يجب عليهم التوحد أمام خطر داهم يهدد الجميع. وسوف تقابل في هذا المجال صلاح أبو سيف كثيرا، ففيلمه المهم "بين السماء والأرض" يرمز إلى وطن في مرحلة صعود بمجموعة غير متجانسة من الناس يركبون مصعدا، يقف بهم فجأة بين الأدوار، ليتنازعوا طريقة حل هذه الأزمة، بينما يضع المخرج (والمؤلف نجيب محفوظ كاتب السيناريو) عبارات نقدية حادة على لسان مجنون من ركاب المصعد! في نوع آخر من المراوغة بالرمز هربا من الرقابة تجد بعض الأفلام التي تكاد أن تصبح حكاية رمزية خيالية، مثل "عنتر ولبلب"، الذي أدركت الرقابة في بدايات عام 1952 أنه يشير بطرف خفي إلى الصراع العربي الإسرائيلي عندما كان اسمه "شمشون ولبلب" فقررت تغيير اسمه، إن شمشون جاء إلى الحارة الشعبية بهدف احتلالها ماديا ومعنويا، لكن ابن البلد لبلب يقرر مقاومته حتى لا يختطف منه خطيبته، فيدخل معه في مراهنة بالمقالب بأن ينجح لبلب في أن يضرب شمشمون سبع صفعات متوالية. كما أن فيلم "النوم في العسل" يلجأ إلى رمز العجز الجنسي الذي اجتاح الرجال، في إشارة لعجز أكبر عن الفعل أو حتى إبداء الألم من هذا العجز. وأخيرا فإن "مواطن ومخبر وحرامي" يحاول أن يتلمس التقلبات الاجتماعية في الثلاثين عاما الأخيرة، وقلبت كل الموازين، وقد بلغت المأساة حدا – كما تقول كلمات أغنية النهاية – أن القط تزوج من الفأر! وعندما يصبح الرمز أكثر ثقلا، إما أن يصبح الفيلم أكثر عمقا أو يتحول إلى لغز يستعصي على التفسير. ففيلم "البداية" على سبيل المثال يحكي عن طائرة سقطت في الصحراء، فيجد ركابها أن عليهم أن يبنوا من جديد نوعا من الحياة الاجتماعية، وخلال محاولة التكيف مع الظروف القاسية تتكون الطبقات والسلطة والمحكومين، ليصبح الفيلم كله رمزا لتقسيم المجتمع منذ بداية الحياة الإنسانية. بينما يحاول فيلم "الدرجة الثالثة" مرة أخرى مناقشة العلاقة بين السلطة والشعب من خلال نادٍ رياضي، حيث يستولي سكان المقصورة وحدهم على انتصارات النادي، ويحرمون منها مشجعي الدرجة الثالثة الذين لا يمكن لأي نادٍ أن يحقق بدونهم هذه الانتصارات. وفي "إشارة مرور" لمحة من فيلم "بين السماء والأرض"، هذه المرة من خلال مجموعة من البشر اضطرتهم الظروف للتوقف في إشارة مرور، بينما هم في الحقيقة يرمزون إلى المجتمع بشرائحه المختلفة. لكن الرمز يميل إلى الغموض في فيلم "أرض الخوف"، الذي يحاول أن يشير إلى رحلة الإنسان في الأرض، لكن الرسالة لا تصل أبدا للمتفرج، بسبب أن المستوى الواقعي للفيلم (ضابط وسط عصابات المخدرات) يطغى على هذه الرسالة الرمزية. أما "الريس عمر حرب" فيصل إلى أقصى درجات التعسف والالتباس، حتى أن المعنى الذي أدركه المتفرج يتناقض تماما مع المعنى الذي أشار إليه صناع الفيلم في حواراتهم الصحفية. أجمل أنواع الرمز إذن هو ما يتضافر فيه المستوى الواقعي للفيلم مع مستواه الرمزي، وسوف أضرب لك الآن بعض الأمثلة القليلة من السينما المصرية، التي تصل نادرا إلى هذا المستوى. في فيلم "سواق الأوتوبيس" رحلة حياة للبطل الذي يكتشف أن رأسمال أبيه معرض للضياع، ويحاول أن يستجمعه ويبقي عليه بلا جدوى، في إشارة لمرحلة تنذر بانقطاع عن مسيرة التقدم، وكان الأسى المسيطر على الفيلم هو بالفعل مرثية لمرحلة أصبحنا نبكي عليها اليوم. وسوف تجد شيئا قريبا من ذلك في أفلام مثل "الطوفان" و"عودة مواطن" و"كتيبة الإعدام". ولعل مخرجنا الكبير توفيق صالح هو الأكثر براعة في هذا السياق، وكل أفلامه تشير دائما إلى فكرة أكبر من سطح الحدوتة، كما في "المتمردون" أو "صراع الأبطال" أو"السيد البلطي" أو "يوميات نائب في الأرياف"، وفيها جميعا يتجلى الصراع بين التخلف والتقدم في غلالة رمزية راقية رائقة. بدون الرمز يصبح العمل الفني عالما ضيقا مغلقا على نفسه، بينما تنفتح بالرمز نوافذ وأبواب ليعود بنا العمل الفني من جديد إلى عالمنا، لندرك بعضا من حقائقه، التي تفوت علينا في حياتنا اليومية لولا أن أضاءها هذا الرمز الجميل في السينما.