Tuesday, October 01, 2013

يسرا لا تغادر مكانها في "نكدب لو قلنا ما بنحبش"


يعيش النجوم والنجمات اليوم أزمة حقيقية، فقد صنعوا نجوميتهم في سياق بات أثرا بعد عين، وحل سياق جديد ليس فيه مكان لنجوم تقليديين مثل يسرا أو نور الشريف، هؤلاء النجوم الذين احتلوا الشاشات الكبيرة والصغيرة حتى سنوات قليلة مضت. وبرغم ظهور نجوم الجيل الجديد، مثل أحمد السقا أو منى زكي على سبيل المثال، فإن نجوم الجيل الأقدم ظلوا يجدون لأنفسهم مكانا بجانبهم. وفجأة، حدثت أزمة طاحنة للسينما المصرية، واكبت أزمة أعمق وأخطر، وكانت في الحقيقة انعكاسا لها، وهي أن المجتمع المصري في حالة آلام مخاض طويل، لا يعرف أحد ما سوف ينتج عنه، لذلك وجد النجوم القدامى أنفسهم، بل الجيل التالي لهم أيضا، وقد فقدوا المساحة الواسعة التي كانوا يتمتعون بها، ولم يجد كل منهم حلا سوف أن يتمسك بالمساحة الصغيرة التي يقف عليها. وهذا بالضبط هو حال يسرا في مسلسلها الرمضاني لهذا العام "نكذب لو قلنا ما بنحبش"، فهي لا تغامر بالدخول إلى أرض جديدة، وتكاد أن تعيد تجسيد جزء كبير من ملامح الشخصية التي عرفت بها فى الآونة الأخيرة: إنسانة طيبة القلب، توزع حنانها على الجميع، برغم أنها تفتقد هذا الحنان، أو ما جاء بالضبط على لسان إحدى الشخصيات وهي تصفها: "شيالة حمول، وحلالة مشاكل لكل اللي حواليكي، بس قلبك قافل على كل المرار ده". وهكذا لم يتركك المسلسل لتخمن جوهر الشخصية، بل قام بالتصريح به، حتى لو كان ذلك يتناقض مع رهافة الكتابة الدرامية. مشكلة مسلسل "نكذب..." إذن أنك تشعر أحيانا أنك قد شاهدته من قبل على نحو ما، فلا تملك إلا واحدا من إحساسين: إما أن تحبه لوجود يسرا، أو أن تنصرف عنه لأنك لا تجد ما يشدك إليه. لكن هذا لا ينفي أن كاتبه تامر حبيب يتمتع بحق بمزيتين مهمتين، فهو بارع في تقديم ما يظهر على السطح أنه "تنويعة" من الشخصيات، بقدر براعته في كتابة حوار سلس تلقائي، لكن هناك عيبا أساسيا في معظم ما كتبه تامر حبيب للسينما أو التليفزيون، وهو أن هذه الشخصيات تفتقد العمق الحقيقي، لأنها تعيش في عالم منبت الصلة عن الواقع كما يعرفه المتفرج، عالم "معقم" يخلو من مشكلات الحياة اليومية المصرية، ويبدو منحصرا ومقتصرا على "حواديت" الحب والغرام. سوف تلمس ذلك على الفور مع المشهد الأول للمسلسل، حيث تعرف أن البطلة مريم (يسرا) تملك مطعما بالغ الفخامة، هو في الحقيقة أقرب إلى أن يكون "يوتوبيا" أو أرضا للأحلام، فالعاملون فيه يعيشون كأسرة واحدة، وزبائنه العجائز الأثرياء يبثون شكواهم عن وحدتهم في شيخوختهم إلى مريم، التي تعطيهم دائما أذنا صاغية، بل قد تبكي لحالهم أحيانا. وفي هذا المطعم سوف نشهد مجموعة من العاملين والعاملات، تتقاطع علاقاتهم العاطفية كثيرا، لكنها لا تصطدم في الأغلب إلا بمشكلات من نوعية رفض الأسرة النوبية أن يتزوج ابنها من خارجهم، أو الفتاة التي تسير في طريق ملتوٍ لأن زوج أمها يقسو عليها ويتحرش بها، بينما لا تجد في الأغلب من يشكو ضيق ذات اليد، وعدم قدرته على الزواج، كما لن تجد بالطبع "زبونا" واحدا أتى من خارج الطبقة الرفيعة لزبائن المطعم التقليديين. في القلب من هذا العالم نتعرف على مريم، الأم لثلاثة أبناء، والتي هجرها زوجها شريف (مصطفى فهمي) لكي يتزوج فتاة أصغر سنا بكثير، ومع ذلك فهو على علاقة صداقة بمريم، التي تبدو متسامحة، وإن كانت في قرارة نفسها تخفي مرارتها من زوج ترك لها مسئولية تربية الأبناء، ليشكو من بعد ذلك إهمالها له. ولسبب غامض ما تربط مريم علاقة صداقة حميمة باللبنانية دلال أو دوللي (ورد الخال)، وهي على طرف نقيض تماما من بطلتنا، فهي تعيش لتحقق ما تريد وليس ما يريد الآخرون، وسوف يكون لها تأثير عميق على الابنة ياسمين (أمينة خليل)، التي تصحو ذات يوم، بعد اكتشافها لحملها، مصممة على الطلاق من زوجها، دون أن يكون لذلك أي سبب مقنع على الإطلاق، سوى أنها تشعر فجأة أنها تكرهه فقط!! ماذا تعمل مثل هذه الشخصيات؟ دلال أو دوللي رسامة، والابنة ياسمين معلمة للعزف على آلة البيانو، والابن أدهم مذيع راديو، وهي كما ترى مهن لا علاقة لها بأعمال ربما تراها في حياتك اليومية، بل تبدو مقتبسة تماما من مسلسل أمريكي من نوعية "أوبرا الصابون"، مثل "بيتون بليس" أو "فالكون كريست"، حيث يعيش الناس في القصور، ولا يمارسون عملا محددا سوى تبادل العلاقات العاطفية المشبوبة، والدخول في حواديت الزواج والطلاق، والغيرة المتبادلة، والحيرة في اختيار الحبيب. ولعل تلك النوعية تلقى هوى عند متفرج يشعر بالسأم من حياته اليومية الشاقة والجافة، لكن لعلها أيضا تدفع متفرجا آخر للتساؤل حول علاقته هو شخصيا بهذا العالم، وما هو المطلوب منه لكي يتوحد أو حتى يتعاطف مع ما يراه من شخصيات وأحداث. لن يحدث في هذا العالم شيء "حقيقي" جديد، مع أنه يحتشد بأحداث ليست في التحليل الأخير إلا عشوائية من الناحية الدرامية، فالمؤلف يستطيع مثلا أن يوقع على رأس الابن أدهم كارثة، عندما تصاب محبوبته بالسرطان وتموت، لكن ما علاقة ذلك بالتيمة المحورية للعمل؟ كما أنك بهذا المنطق تستطيع أن تأخذ الأحداث في أي اتجاه، ونفترض مثلا أن هناك علاجا للحبيبة ينقذها في اللحظة الأخيرة، لكن هذا لا يحدث على أي حال، بينما يأتي ما هو متوقع منذ البداية: أن تقع البطلة مريم في حب جديد. ويأتي هذا الحب عندما تلتقي في لبنان بالصدفة مع "ساحر النساء" كما تصفه الصديقة دلال، وهو مروان (رفيق علي) الطبيب المشهور، والذي يعيش حياة تظهر على السطح كأنها تخلو من الهموم، لكنه يخفي بدوره هما "ميلودراميا" آخر، لا ندري ما علاقته بكل ما نراه، سوى أن يزيد "توابل" العمل التي يفترض أنها سوف تدفعك إلى البكاء: إن لرفيق ابنا شابا مشلولا يصاحبه في كل مكان!! وهكذا تمتزج حواديت الأفلام الهندية بالدراما التليفزيونية الأمريكية، في "طبق" قد تراه باعثا على إثارة الشهية في بعض اللحظات، لكنك تكتشف في النهاية أن لا يسمن أبدا من جوع. وإذا كان الطبيب رفيق سوف يمثل الحجر المصطنع الذي أُلقي في بحيرة مريم الراكدة، فهناك حجر آخر أكثر اصطناعا يتمثل في علاقة الحب الجديدة، التي تدخلها الابنة ياسمين، مع ابن الأحياء الشعبية أسامة (محمد سلام)، والذي سوف تبهرهم تلقائيته وبساطته كأنه جاء من الفضاء الخارجي، وليس من الكتلة الأكبر للمجتمع المصري. ويضع المسلسل على لسان البطلة مريم جملة ترحب بها بهذا الوافد الجديد: "أنت أجمل حاجة بتحصل لنا في الأيام السودا اللي عايشينها دي"!! وإذا كان لنا أن نؤكد على جودة التمثيل بشكل عام، وهي الظاهرة التي تبدو مكسبا وحيدا للدراما التليفزيونية المصرية، في دخول عشرات من أبناء جيل جديد من الممثلين إلى هذه الساحة، فإن الإخراج التقليدي الذي قامت به غادة سليم قد أدى إلى خفوت هذا العنصر المهم، فأغلب الحوارات تدور على المقاعد، أو في صالات ممارسة سيدات المجتمع الراقي للرياضة، أو في مكاتب عالم "البيزنس"، أو في القصور الفارهة التي تدور فيها أغلب الأحداث. وهكذا فإن المحصلة النهائية لهذا المسلسل هي أن يسرا لم تكسب أرضا جديدة، لكن ذلك قد يعني أيضا أنها ربما خسرت جانبا من رصيدها الجماهيري القديم.