Friday, November 22, 2013

"ضربة شمس"...البذور السينمائية لسينما محمد خان


عندما تتأمل الآن فيلم "ضربة شمس" بعد ما يزيد على ربع قرن من عرضه، وحوالى عشرين فيلماً لصانعه محمد خان، فإنه يمكنك أن تجد فيه البذرة الجنينية الأولى لعالم محمد خان، التى سوف ينبت منها ويتفرع عنها العديد من الأفلام. وفيلم "ضربة شمس" على بساطته الظاهرة يحتوى على عشرات التيمات والموتيفات التى سوف يولد منها أفلام مستقلة بذاتها، وإن أردت تلخيص "الحدوتة" ـ التى سوف تتجمع أمامك على الشاشة كأنها قطع اللغز المتناثرة التى لن تفصح عن الصورة الكاملة إلا فى النهاية ـ فهى أن شمس (نور الشريف) كان قد بدأ حياته مصوراً فى القسم الفنى فى صحيفة، وهو الآن يعمل فى قسم الحوادث، لذلك فإنه على علاقة وثيقة بالضابط مراد (حسين الشربينى) الذى "يستخدم" شمس أحياناً (دون علمه) فى بعض القضايا، مثلما يحدث عندما يرسله ـ بطريق غير مباشر ـ لتصوير أحد الأفراح حيث سوف تجتمع عصابة لتهريب الآثار. ولأن شمس يجرى دائماً وراء "الصورة" التى تمسك بلحظات تبدو عابرة، فإنه ينجح فى التقاط صورة لأحد أفراد العصابة جميل (توفيق الدقن) الذى تحول إلى مرشد، وهو يدس ورقة إلى الراقصة نوال (نجوى فؤاد) يخبرها فيها بموعد العملية القادمة للعصابة القاتلة. بعد انتهاء الفرح يلاحظ شمس أن جميل قد ركب سيارة مع سيدة فاتنة غامضة (ليلى فوزى)، وبعد ساعات يعلم مراد أن جميل مات منتحراً، وهو مما يثير اهتمام شمس وفضوله، ليحاول أن ينبه الضابط مراد إلى أن ما جرى لجميل هو عملية قتل، لكن مراد لا يسمع له مما يدفع شمس إلى قبول دخول المخاطرة التى وجد نفسه متورطاً فيها، ومن خلال هذه "المغامرة" التى تمزج بين نمط genre "فيلم الرحلة" ونمط فيلم التشويق البوليسى، يسبق شمس دائما كلاً من العصابة والشرطة بخطوة واحدة، لكنه يدفع ثمناً باهظاً يكاد أن يكلفه حياته وحياة حبيبته سلوى (نورا)، كما يسقط ضحايا خلال هذه الرحلة من بينهم فتحى (فاروق فلوكس) زميل شمس فى الجريدة الذى يقع صريعاً برصاصات كان المقصود بها شمس، تماماً كما حدث لعضو العصابة محسن (مجدى وهبه) الذى حاول أن يسمم شمس الذى أدرك الفخ فى اللحظة المناسبة ليشرب محسن الشراب المسموم. وهكذا تمضى المطاردة التى تكاد أن تدور فى كل أنحاء القاهرة من شمالها إلى جنوبها، حتى تنتهى عند الفجر بخروج شمس وسلوى مثخنين بالجراح، ناهيك عن أسى شمس من إدراكه أن الضابط مراد كان يستخدمه كمجرد أداة، وتكون آخر لقطات الفيلم لهما يسيران فوق جسر المشاة فى ميدان التحرير الذى يكاد أن يخلو من السيارات والمارة، وتنطلق صوت يشبه آلة "الفاجوت" الموسيقية بلحن الآذان، الذى يقطعه على نحو مفاجئ أصوات متداخلة مزعجة لنفير السيارات. كثيراً ما يصرح محمد خان فى حواراته الصحفية بإعجابه الهائل بفيلم "المغامرة" لمايكلانجلو أنطونيونى، لكن خان فى أول أفلامه الروائية "ضربة شمس" يبدو أكثر تأثراً بفيلم آخر لأنطونيونى هو "تكبير" (الذى نعرفه فى مصر أحياناً باسم "انفجار")، خاصة فيما يتعلق بما تستطيع الكاميرا أن تفعله من تسجيل الأحداث بشكل خاطف على نحو يسمح بالتدخل فى مسيرة هذه الأحداث ومصائر الشخصيات الفاعلة فيها. إن شمس يلتقط صورة لورقة المرشد جميل بينما تحرقها الراقصة نوال، وهو ما يصفه شمس مرات عديدة فى انبهار: "كلمة فى ورقة قبل ما تتحرق بجزء من الثانية"، أو أيضاً قدرة الكاميرا على "عشق التفاصيل والحاجات المستخبية ورا عيون الناس"، ولتلاحظ كلمة "التفاصيل"، فتلك التفاصيل سوف تكون أهم ملامح العالم الفنى لمجمل أفلام محمد خان، خاصة تفاصيل الحياة اليومية العادية. وفى الوقت الذى نرى فيه شمس كثيراً ممسكاً بالكاميرا كأنه يمسك ببندقية (بما يذكرك بأحد شعارات المخرج الفرنسى جودار)، فإن كاميرا سعيد شيمى، وخلفه محمد خان، تبدو بدورها مصوبة تجاه الواقع الذى قد يمر علينا دون أن نلحظ تفاصيله، وهى التفاصيل التى سوف تصبح جوهر سينما محمد خان، لتكشف عما تحت السطح الساكن للواقع. لذلك لم يكن غريباً أن تنطلق الكاميرا ـ على نحو غير مسبوق بهذه الكثافة فى السينما المصرية ـ فى الشوارع، حتى أنه يمكنك أن تعتبر فيلم "ضربة شمس"، مثل العديد من أفلام خان الأخرى، "وثيقة" للعصر الذى تم تصويرها فيه (ويمكنك أن تقارن فى هذا السياق أفلاماً مثل "يوم حار جداً")، شوارع "وسط البلد"، وميدانى باب اللوق والتحرير قبل أن تتغير ملامحهما، و"مترو حلوان" القديم (من الطريف أن يكون "الكمسارى" فى المترو كمسارياً حقيقياً، كان يعرفه كاتب هذه السطور لإقامته فى حلوان وركوبه المترو خلال فترة قريبة من صنع الفيلم!)، وركاب ساعات الصباح الأولى المستغرقين فى نومهم، والذين قد تجد فيهم مجازاً بصرياً ودرامياً عن غياب "الناس" عن الجريمة التى تحدث، ومن المفارقات ذات الدلالة أن يكون الراكب المستيقظ الوحيد "أعمى"! إن أردت أن تحصى عدد الأماكن التى يوثق لها فيلم "ضربة شمس" الذى تم تصويره فى نهاية السبعينات فسوف تحتاج لعشرات السطور، غير أن ما يهمنا الآن هو أن الفيلم "يوثق" للعديد من تيمات وموتيفات محمد خان فى الكثير من أفلامه التالية، وأهمها هنا هو البطل، اللامنتمى فى الظاهر، يعشق فتاته سلوى لكنه يتردد فى الارتباط بها لأنه لا يريد أن تسجنه قيود الأسرة، لكن عشقه الأكبر للكاميرا لأنه من خلالها تستطيع "العين تشوف وتلاقى حاجة جديدة"، بل إنه يصرح بأن الكاميرا بالنسبة له أهم من سلوى ذاتها، لكنه مثل معظم أبطال خان "يتورط" بإرادته، يدفعه إلى ذلك مزيج من النزعة الاحترافية وأخلاقيات تعلى من شأن الإنسان، وهذا البطل لا يختلف قيد أنملة عن محمد خان نفسه التى "تبدو" الكاميرا للوهلة الأولى عنده موضوعية محايدة، فإذا بها تريد أن تقترب من البشر بل أن تحتضنهم أيضاً، لأنها تكتشف عن "كل" متكامل، أو كما يقول شمس: "كنت باشوف حتة من الصورة بالكاميرا، أول مرة أشوفها كاملة، كنت باشوف العالم بشكل تانى، يظهر كنت غلطان"، وهو الاكتشاف الذى يقوده إلى "ما كنتش فاكر إن فيه مجرمين بالشكل ده"، فترد عليه سلوى: "لأنك ما كنتش بتشوفهم إلا بعد ما يتقبض عليهم"، أو بالأحرى فإن الكاميرا يجب أن تقوم بالإمساك بالعالم والقبض عليه (capture التى تعنى أيضاً الالتقاط) خلال حركة هذا العالم فى تغيره الدائم الذى لا يتوقف، وهى المهمة الجمالية (والسياسية بالمعنى الأشمل للكلمة) التى لم يتخل عنها خان فى معظم أفلامه. من جانب آخر فإن البطلة سلوى تمثل إلى حد كبير معظم بطلات محمد خان، الذى سوف تكتشف رحلتك مع أفلامه أنه من أكثر مخرجى السينما المصرية وصانعيها حباً وتعاطفاً وفهماً للمرأة، التى تظهر فى الأغلب الأعم من أفلامنا باعتبارها "موضوعاً" وليست "ذاتاً"، لكن معظم بطلات خان تبحثن عن تحقق هذه الذات، كما تقول سلوى: "عايزة أكون جنبك مش وراك"، وهى تصطدم بالقيود والقيم الذكورية (العادية والمعتادة) لكنها لا تتخلى عن رجلها وعن حبها، لتقوم بدور كبير فى رحلة البطل من اللاانتماء إلى الانتماء، لذلك لم يكن غريباً أن ينتهى فيلم "ضربة شمس" بسلوى وهى تسير جنباً إلى جنب شمس، بل أن تسنده أيضاً. وكما يوجد فى عالم محمد خان رجال ينتمون إلى معسكر "الأشرار"، فإنه هناك أيضاً نساء شريرات، تتمثلن هنا فى المرأة الفاتنة الغامضة (ليلى فوزى) التى لم تنطق طوال الفيلم بكلمة واحدة، لكنها تظهر دائماً وكأنها "أيقونة" ساحرة وفتاكة معاً، أو كأنها سليلة المرأة الفاتنة القاتلة femme fatale فى نمط "الفيلم نوار"، وفى اختيار الممثلة ليلى فوزى لهذا الدور إدراك من صانع الفيلم لما يمكن أن يمثله هذا الجمال الخارق، الذى لعب دور القدر الغاشم الملتف حول رقبة البطل كأنه ثعبان ماكر فى فيلم "من أجل امرأة" (1959) من إخراج كمال الشيخ، وهو الفيلم المأخوذ عن الفيلم نوار الأمريكى "تأمين مزدوج". هناك موتيفات عابرة سوف تعاود الظهور فى أفلام خان التالية، لعل أهمها موتيفة تحول الواقع اليومى العادى شيئاً فشيئاً إلى "كابوس"، أو كما تقول سلوى وهى تحذر شمس من المضى فى مخاطرته فى مطاردة العصابة: "أنا خايفة الحكاية تتقلب كابوس"، وهو ما يحدث بالفعل، أو موتيفة الحديث الخاطف عن أخت شمس المغتربة منذ زمن التى ربما سوف تشعر بالصدمة إذا عادت واكتشفت أن شمس باع شقة أبيهما وأمهما ليأخذ شقة أخرى، تلك الموتيفة التى سوف تصبح الموتيفة الرئيسية لفيلم "عودة مواطن"، أو قراءة خاطفة لصفحة الحوادث عن زوجة اعترفت بقتل زوجها بالسم انتقاماً لسبب لا نعلمه، وربما سوف نعلمه بالتفصيل فى فيلم "موعد على العشاء"! عشرات التفاصيل التى أعشقها فى هذا الفيلم وربما سوف تجد لها ذكراً فى فصل آخر من فصول هذا الكتاب الصغير، هى تفاصيل أضفت على الفيلم حيوية ودفئاً مصريين برغم غرابة وتغريب مادة الموضوع، التى استغرقت ـ ربما أكثر مما ينبغى أحياناً ـ فى تشويق المطاردات، بإغراء التصوير فى الأماكن الطبيعية خلال النهار أو الليل، وهو الإغراء الذى سوف يتحول لدى خان إلى عشق حقيقى، ساعده بدوره على أن ينتقل من الإعجاب بأنطونيونى أو جودار (هل أذكر أيضاً فيلم "على آخر نفس"؟) إلى الانتماء القريب من الاكتمال للواقع المصرى، بكل تفاصيله الخارجية وجوهره على السواء.

Wednesday, November 20, 2013

من مقدمة كتابى "محمد خان... ذاكرة تتحدى النسيان"


فى المشهد الأخير من آخر أفلام محمد خان ـ حتى كتابة هذه السطور ـ تظل البطلة نجوى (غادة عادل) تردد بينها وبين نفسها رقم هاتف الفتى يحيى (خالد أبو النجا) حتى لا تنساه، وأى لقاء قادم محتمل بينهما ـ ولعل فى قصتهما بقية آتية ـ يعتمد على ذاكرتها، تلك "الذاكرة" التى سعى محمد خان فى كل أفلامه إلى أن يحتفظ بها على شرائط سينمائية، ذاكرة للمكان والزمان والمجتمع والاقتصاد والثقافة، والأهم أنها ذاكرة للإنسان فى كل هذه السياقات، كيف يشعر الناس ويفكرون ويحلمون ويتصارعون، بل كيف يتحدثون ويستخدمون تعبيرات الجسد وإيماءاته فى التعبير عن ذلك كله. وبقدر أهمية الذاكرة فإن من المهم أيضاً أن تبقى هناك مساحة للنسيان، نعم النسيان، فبدونه سوف يتوقف الإنسان عن الحركة مع العالم الذى لا يتوقف عن التغير، وأرجو أن يتحملنى القارئ لو ذهبت للحظة قصيرة بعيداً عن أفلام محمد خان لكى نتمهل ونتأمل هذه الفكرة، التى جسدها على نحو رائع فيلم التحريك "البحث عن نيمو" الذى صنعته مجموعة شركة "بيكسار" الأمريكية، التى تتبنى ـ من وجهة نظرى ـ موقفاً "يسارياً" بالمعنى الواسع للكلمة، واليسارية هنا تعنى المحاولة الدائمة لتجاوز الواقع الراهن نحو مستقبل أكثر جمالاً وعدلاً. ففى فيلم "البحث عن نيمو" تجد السمكة الأب الذى فقد ابنه فى المحيط الواسع، ولأن "ذاكرة" الأب تجعله لا يستطيع أن ينسى أبداً آلامه عندما فقد زوجته وبقية أطفاله فى هجوم سمكة متوحشة، فإن بحثه عن الابن يصطدم دائماً بتلك الذكرى المؤلمة، حتى أنه يميل أحياناً إلى التراجع عن مهمته خوفاً أو يأساً. وهنا يظهر دور سمكة صديقة، يقابلها بالصدفة ليجدها تعانى من حالة فقدان جزئى للذاكرة، فهى سرعان ما تنسى ما حدث لها منذ دقائق معدودة أياً كان حجم الألم الذى عانت منه، لذلك فإنها تبدأ من جديد، بذاكرة بيضاء مستعدة للكتابة عليها مرة أخرى وثالثة وعاشرة، وفى كل مرة تنمحى الذاكرة وتبدو كأنها قد ولدت ثانية فى اللحظة الراهنة. وفى هذا الجمع بين الأب وصديقته، الذاكرة والنسيان، تأكيد شديد الذكاء من صناع الفيلم على أن رحلة "البحث عن نيمو" ما كان لها أن تكتمل لو كان كل منهما بمفرده، فالأب وحده سوف تعجزه الذاكرة المؤلمة الآتية من الماضى عن أن يمضى نحو المستقبل، والصديقة وحدها بنسيانها السريع سوف تسير على غير هدى وبلا هدف، لذلك فإن الذاكرة هى التى تضعنا على خريطة الماضى والحاضر والمستقبل، والنسيان هو الذى يجعلنا نحطم أسوار الماضى لنكمل طريقنا نحو المستقبل، أو فلتقل صنع حاضر جديد. إن هذا الجمع بين الذاكرة والنسيان، أو بالأحرى التفاعل والصراع بينهما، أراه جوهر رحلة محمد خان السينمائية، متجسداً فى العديد من أبطاله تارة، وفى قدرة خان أيضاً على أن "يولد من جديد" مع كل فيلم، حاملاً معه ذاكرة من أفلامه السابقة، لكنه يحمل أيضاً ذاكرة بيضاء جديدة قادرة على الدهشة واكتشاف التفاصيل ـ كأنه لم يرها من قبل ـ لكى يتمكن من اقتناصها و "طبعها" على شريط الذاكرة الجديدة. يروِّج بعض النقاد إلى فكرة أن محمد خان وأبناء جيله من المبدعين السينمائيين ينتمون إلى ما يسمى "الواقعية المصرية الجديدة"، وهو ما أراه تبسيطاً يتجاهل من جانب الفوارق الهائلة فى أسلوب كل منهم وطريقته فى استخدام التقنيات والجماليات، كما يتجاهل من جانب آخر دقة مصطلح "الواقعية" التى أصبحت كلمة فضفاضة منذ أن أطلق عليها جارودى "واقعية بلا ضفاف"، وإذا كان جارودى يقصد "الهدف السياسى" فإنه يبتعد عن "الهدف الجمالى"، فالسياسة فى الفن هى فى حقيقتها "سياسة الفن"، أو بكلمات أخرى أكثر وضوحاً "علاقة الفنان بمادة موضوعه" (مرة أخرى فهى ليست علاقة سياسية وإنما علاقة جمالية)، حيث على الفنان أن يحدد ـ عن وعى أحياناً، وأحياناً بشكل حدسى ـ مكانه (ولا أقول موقفه) من العالم الذى يقوم بتصويره. وإذا أخذت مثالاً يمكن أن يوضح هذه "العلاقة" على نحو أكثر اقتراباً من القارئ، فلتتصور روائياً يريد أن يحكى لنا عن شخصيات بعينها، إن "سياسة الفن" هنا هى التى سوف تحدد له إذا ما كان سوف يأخذ مكان الراوى المحايد، أو ما يطلقون عليه كلى الوجود كلى القدرة Omnipresent, Omnipotent ، فهو يعلم كل شئ عن الشخصيات مسبقاً، وكل ما يفعله هو أن يصفها لنا ويحكى لنا عن أفعالها وانفعالاتها وتفاعلها مع العالم من حولها (تأمل فى ذلك على سبيل المثال قصة تشيكوف القصيرة "موت موظف")، أو ربما يضع الكاتب نفسه مكان إحدى شخصيات الرواية ليتحدث بضمير المتكلم، ليجعلنا نرى العالم من خلال هذه الشخصية وحدها ( كما فى "زوربا اليونانى" لكانتزاكس)، أو قد يختار الكاتب أسلوب "تعدد الأصوات" لكى نسمع ونرى الأحداث ذاتها من وجهات نظر متعددة (كما فى رواية نجيب محفوظ "ميرامار")، أو ربما يجمع بين ذلك كله فى مزيج هارمونى متآلف (والنموذج الأشهر على الانتقالات فى أسلوب السرد والقفز بين الضمائر هو ثلاثية نجيب محفوظ) حتى يتشابك ضمير الغائب مع ضمير المتكلم فى سلاسة لا يكاد القارئ أن يشعر بها. نحن فى "سياسة الفن" لا نتحدث إذن عن "واقعية" فضفاضة (فكل المدارس الفنية واقعية بمعنى ما)، والهدف من هذا الكتاب الصغير هو محاولة تلمس المدرسة الأسلوبية التى يقف على أرضها محمد خان، لكننا بالطبع لا نريد أيضاً "سجن" خان داخل مدرسة أسلوبية بعينها من المدارس الفنية الموجودة فى الكتب، فقد يضع الفنان قدماً على أرض مدرسة فنية وقدماً أخرى على مدرسة ثانية أو ثالثة أو عاشرة، وبالمقارنة مع الرواية فإن تحديد المدرسة الأسلوبية يصبح أكثر صعوبة فى الفن السينمائى (على سبيل المثال، فإن الأفلام التى تتخذ "ضمير المتكلم" فى "كل" لقطاتها تكاد أن تعد فى تاريخ السينما كله على أصابع اليد الواحدة، بينما يحتل هذا الأسلوب مكاناً كبيراً فى فن الرواية)، وفى معظم الأحوال فإن فنان السينما ينتقل من مدرسة فنية إلى أخرى بحرِّية (إن كان ذلك يتم على نحو واعٍ فإنه يصنع أسلوباً متفرداً، أما إذا تم بشكل عشوائى فإنه لا ينتج إلا خليطاً مشوشاً)، بل ربما استعار الفنان السينمائى أساليب من الفن التشكيلى والمسرح والرواية، لذلك تصبح المهمة أكثر صعوبة لكى نحاول "وصف" المدرسة الأسلوبية التى يغلب طابعها على أفلام محمد خان، وإن كان هذا هو المسعى الحقيقى وراء كتابة سطور هذا الكتاب الصغير. وسوف يجد القارئ أننا اعتمدنا فى خوضنا هذه "الرحلة" مع أفلام خان (وكل فيلم لمحمد خان هو "رحلة" بمعنى من المعانى) على الأفلام الروائية الطويلة، لأنها أولاً أكثر اتساعاً فى أفقها بحيث تشتمل على العناصر التى تشكل عالم محمد خان الفنى، ولأن أفلامه الروائية القصيرة تأتى فى سياق "دعائى" لمؤسسة ما، برغم تأكيدنا على أنها لا تخلو من "لمحات" أصيلة من أسلوب محمد خان. كما لا يفوتنى الاعتذار للقارئ عما قد يجده من تكرار بعض الأفكار فى سياق تناولنا لفيلم بعد آخر، وهو التكرار الذى يعود إلى محاولة التأكيد على فكرة بعينها، بقدر ما يعود أيضاً إلى أن بعض أفلام خان تعتبر "تنويعات على لحن واحد"، وهو ما لا يقلل من شأنها أبداً، ولمن يشاء أن يدرك قدر "التنويعات" فى الفن أرجوه أن يعود إلى كل اللوحات التى اعتمدت عبر العصور على "تيمة" واحدة، مثل "صلب المسيح" أو طقوس العمل أو المشاهد العائلية الحميمة أو صور الزعماء والملوك، أو إن شاء فليستمع إلى مقطوعة يوهانس برامز العظيمة "تنويعات على لحن لهايدن". لكن الاعتذار الأهم الذى أعرف أهميته (الحقيقية أو المزعومة) عند مثقفينا ونقادنا السينمائيين هو أن من المؤكد أن كثيراً من الأفكار التى سوف ترد فى هذا الكتاب الصغير سوف يختلف معها البعض ، بينما الحقيقة أن هذا الاختلاف أمر شديد الحيوية فى الفن كما هو فى الحياة، وأى ناقد ليس إلا بشراً، له أفكاره ومواقفه ورؤيته للعمل الفنى، والتى لابد أن تختلف عن رؤية ناقد آخر لنفس العمل، بل إننى أضيف "المشاعر" أيضاً لهذه العوامل التى تتحكم فى "استقبال" الناقد للعمل الفنى، حتى أن بعض النقاد الأمريكيين يذكرون فى مراجعاتهم النقدية مكان وظروف مشاهدتهم للفيلم (لذلك فإننى على سبيل المثال لا أرى الأفلام فى العروض الخاصة التى تكون أقرب فى أجوائها لحفلات أعياد الميلاد والأفراح!)، ومشاهدة الفيلم فى سينما "أوديون" تختلف عن مشاهدة نفس الفيلم فى "سيتى ستارز"، بل إن من المؤكد أن مشاهدتى لفيلم بعد عشر سنوات سوف تختلف عن مشاهدتى الأولى له، لذلك كله، وإذا كنت أختلف مع نفسى، أرجو أن يقبل الآخرون احتمال اختلافى معهم. لقد تعودنا فى مراجعاتنا النقدية على طرق سهلة، إحداها هى أن ننتقد "حدوتة" الفيلم ذاتها، كأن نحكم مثلاً على رجل فى الفيلم تقدم للزواج من عروس ليست مناسبة له، أما الطريقة الثانية فهى الاستلطاف أو عدمه، فذلك فيلم خفيف الظل وآخر "دمه تقيل"، أما الطريقة الثالثة ـ وهى الأخطر من وجهة نظرى ـ فهى تلك التى تدعى "العلم" وتنادى بأن "الناقد قاضٍ" (يا نهار أسود! فكأن الفيلم وصاحبه متهمان ينتظران الحكم بالبراءة أو تحويل الأوراق إلى المفتى!)، وهى تتناول الفيلم بالتشريح بالمعنى الحرفى للكلمة، وتتكرر فيها عبارات بعينها مثل "أما التصوير ﻔ..."، و"أما المونتاج ﻓ..."، وأكاد أجزم بأن ممارسى هذه المدرسة لا يعلمون شيئاً حقيقياً ذا بال عن التصوير أو المونتاج أو قل أنهم أصلاً لا يحبون فن السينما! الحقيقة ـ أو هكذا أراها كذلك ـ هى أن أى عمل فنى هو "كائن حى"، ولكل كائن خصوصيته، وعلى الناقد ـ أو المتلقى بشكل عام ـ أن يتفاعل ويتحاور بحق مع هذا الكائن حتى "يفهمه" قبل أن يقول لنا "رأيه" فيه (قال لك أنا أعرف فلان، قال لك عاشرته؟ قال لك لأ.. يبقى ما تعرفوش)، وبالطبع فإن هذه "العِشرة" خبرة إنسانية، ويجب علينا فى تعاملنا مع العمل الفنى ألا "نقتله" حتى نضعه على منضدة التشريح النقدى، لذلك فإننى لا أرى هناك أى "وصفة" أو "فورمولا" جاهزة بعينها لكتابة مقالة نقدية، فكل مقالة تأخذ بناءها من العمل الفنى ذاته، و"السَّميع" الجيد من وجهة نظرى هو الذى يقول "الله!" عندما يصل إلى السلطنة، يقولها على نفس النغمة والمقام الموسيقيين اللذين يغنى بهما المطرب. ربما قد طالت هذه المقدمة أكثر من اللازم، لكننى سعيت فيها إلى أن "أُدَوْزِن" كما يقول "آلاتية" الفرقة الموسيقية، أى أن أعد نفسى للمقام الذى سوف يعزف عليه محمد خان أفلامه، لكننى أعيد القول بأننى أكدت بهذه المقدمة أيضاً حلمى بأن يتسع صدر القارئ للاختلاف، وإذا كان هذا الاختلاف عميقاً بينى وبينه فعليه أن يلجأ إلى "النسيان"، ويبدأ بنفسه من جديد رحلة البحث فى الذاكرة السينمائية عند محمد خان.

Tuesday, November 19, 2013

السينما المصرية والسياسة.... هل يحكمها المثل العامي: "إبعد عن الشر وغنِ له"؟


علاقة السينما المصرية بالسياسة علاقة معقدة رغم ما تبدو عليه من السطح، فحين يشتعل السياق السياسي بالتطورات العميقة، مثلما هو حادث هذه الأيام، تختفي السينما السياسية تماما كما يبدو في هذا الموسم الأخير! وإذا كانت السياسة تأخذ من اهتمامات الناس الحيز الكبير، فإن السينما تبرر هروبها بأن الجمهور بدوره يريد أن يهرب إلى تسلية تنسيه مشكلات الواقع المتشابكة. لكن هل هذه الحجة حقيقية؟ أم أنها يمكن أن تكون ذريعة لعدم مواجهة المواقف التي تتطلب حسما؟ ربما كان الأمر أكثر تعقيدا من هذين الاختيارين السابقين، ولعله يكمن في بناء السينما المصرية ذاتها، على نحو لا يمكن حتى للسينمائيين "المتمردين" أن يتخلصوا منه تماما. فمنذ ولادتها، أعلن أحد رواد مخرجيها الكبار – أحمد بدرخان – في أحد كتبه، أن السينما الجيدة تدور حول "صراع رجل وامرأتين، أو امرأة ورجلين"، لأن مثل هذا المثلث – الذي كانت له جذوره في حبكة المسرحيات متقنة الصنع في القرن قبل الماضي - يتيح لصانع الفيلم تجسيد تحولات ميلودرامية عاصفة، تجعل المتفرج مشدودا إلى الشاشة. ولم يكن إذن غريبا أن يأتي الفيلم المصري الوحيد، الذي تناول ثورة يناير وتقلباتها، وقد حمل في قلبه هذا الصراع ذاته، دون زيادة أو نقصان!! وكان ذلك هو فيلم "بعد الموقعة" للمخرج الذي اشتهر عنه صنع سينما مختلفة يسري نصر الله، لكنه عندما أراد أن يحكي عن هذا الحدث المهم لجأ إلى الحبكة ذاتها، حين تبحث البطلة الصحفية المثقفة، ابنة الشريحة العليا من الطبقة الوسطى (منة شلبي)، عن الذين اشتركوا فيما تعارفت الصحافة على تسميته "موقعة الجمل"، إذا بها تقع في هوى أحد أبناء الطبقة الفقيرة (باسم سمرة) ممن كانوا مخلب قط في المعركة، ليتحول الفيلم إلى قصة صراع حول الرجل، بين هذه البطلة وزوجة الرجل مهيضة الجناح (ناهد السباعي)، وليضيع أي أثر حقيقي للحدث السياسي، الذي ترك كل المساحة للحدث العاطفي الميلودرامي. ويحلو لبعض صناع السينما المصرية ونقادها أحيانا الاستشهاد بأفلام تتخذ من الصراع السياسي قلبا لها، وعلى رأس هذه القائمة فيلم المخرج خالد يوسف "هي فوضى؟"، الذي يشاع عنه أنه تنبأ بثورة يناير. وبعيدا عن فكرة "النبوءة"، التي لا تصمد أمام ما حدث لهذه الثورة ذاتها من تداعيات، فسوف تكتشف أن جوهر الحبكة يدور في فلك صراع الحبكة التقليدية ذاتها، مع محاولة لإضفاء بعد رمزي خشن، يقول لك أن البطلة الشابة اليافعة (منة شلبي أيضا) ترمز إلى مصر، التي يعشقها على نحو مريض أمين شرطة (خالد صالح)، الذي يرمز بدوره إلى السلطة، وهو حين يعجز عن امتلاكها كما يريد فإنه يحاول اغتصابها، لكن سوف ينقذها من براثنه وكيل النيابة الشاب (حسن الرداد)، الذي يرمز أيضا إلى القانون. كما يأتي فيلم "أولاد العم" ليقول أنه يتحدث عن "الصراع العربي الإسرائيلي"، ويلجأ إلى الحبكة ذاتها، فضابط المخابرات الإسرائيلي (شريف منير) يختطف المرأة المصرية (منى زكي)، بعد أن خدعها أعواما تحت زعم أنه مصري، وتزوجها وأنجب منها، وها هو بعد انتهاء مهمته في مصر يأخذها وأطفالها عنوة إلى "إسرائيل"، ليظهر ضابط المخابرات المصري (كريم عبد العزيز)، الذي يأتي بمعجزات خارقة تفتقر إلى أدنى حدود المنطق، ويخلص بطلتنا وأطفالها ويعود بهم إلى أرض الوطن. يمكنك في هذا الفيلم الأخير على سبيل المثال أن تجعل الإسرائيلي تاجر مخدرات عريقا في الإجرام، ويكون المصري ضابط شرطة، ولن تجد تغييرا في الحبكة على الإطلاق، وهو ما يعني أن "السياسة" بمعناها الحقيقي ليست إلا خلفية يمكنك أن تغيرها بأي خلفية أخرى. وهذا هو الأمر ذاته مع فيلم "أصحاب واللا بيزنيس"، الذي بدأ "تيمة" كواليس عالم الفضائيات، متجسدة في الصراع بين مذيعين مشهورين (مصطفى قمر وهاني سلامة)، مع بعض صراعات أخرى معتادة حول الحبيبات، ويجعل الفيلم نقطة التحول تأتي مع عملية انتحارية، يقوم بها فلسطيني شاب (عمرو واكد)، لكنك سوف تكتشف أنه حادث عارض وليس محوريا في الحبكة، ويمكنك أن تستبدل به أي حدث ميلودرامي آخر. إن هذه السطحية في تناول السياسة تصبح أقرب إلى الهزل الفج، مع فيلمين يندرجان للأسف تحت مسمى "السينما السياسية"، ويلجآن إلى نوع من "الفانتازيا" التي تزيد هذه الفجاجة. الأول هو "يا مهلبية يا" لكاتب السيناريو ماهر عواد والمخرج شريف عرفة، حيث يتلخص الكفاح الوطني المصري في مجموعة من بلطجية أحد "الكباريهات" (هكذا!!)، وفيه ترمز راقصته (ليلى علوي) إلى مصر، وإن أردت الإشارة إلى فلسطين فهي "الكباريه اللي جنبنا" كما جاء على لسان إحدى شخصيات الفيلم!! أما الفيلم الثاني فهو أكثر معاصرة، لكاتب السيناريو والمخرج محمد أمين، وهو "ليلة سقوط بغداد"، الذي يبدو على السطح صرخة لاسترداد حق الشعوب العربية في تقرير مصيرها، لكنه في حقيقته صرخة عواء وخواء جنسي، حين يعيد جذور كل الأشياء إلى حرية الجنس والمخدرات المقيدة عندنا!! ليس هذا في الحقيقة حكما أخلاقيا على مثل هذه الأفلام، بل هو حكم جمالي وفني، فإذا كان أي فيلم يزعم أنه يتناول موضوعا سياسيا، فإنك لا تستطيع أن تغفر له تسطيح "المضمون" لمجرد أن يطرح مثل هذا "الموضوع". وسوف تجد هذا التسطيح ذاته في العديد من أفلام نادية الجندي، التي لن يفيد شيئا أن نذكر كتابها ومخرجيها، فهي في واقع الأمر فيلم واحد بأسماء مختلفة، سواء كانت "48 ساعة في إسرائيل" أو "امرأة هزت عرش مصر" أو الجاسوسة حكمت فهمي"، وهنا أيضا لن يكون "الموضوع" السياسي إلا مبررا لتقديم بطلة خارقة في كل شيء، في الرقص والسياسة على السواء! لكن هناك أفلاما مصرية استطاعت أن تتلمس "المضمون" السياسي بقدر متفاوت من الوضوح والنجاح، لكنك سوف تلاحظ هنا أيضا أنها لم تستطع – أو تجرؤ – على تناول موضوعها بصراحة. تأمل على سبيل المثال فيلما نعتبره كوميديا، لكنه أراد أن يلمس قضية سياسية في فترة كان هذا الأمر محظورا، وهو ما أدى إلى أن الرقابة أن تغير اسم فيلم "شمشون ولبلب" إلى "عنتر ولبلب"، لأنها أدركت أنه يضع الصراع العربي الإسرائيلي في إطار قصة كوميدية شعبية، تدور حول الصراع بين ابن الحارة (شكوكو) والدخيل عليها (سراج منير). تتحول هذه الكوميديا إلى ميلودراما صارخة مع فيلم يوسف شاهين "عودة الابن الضال"، الذي يدور حول عائلة يسيطر عليها الابن الأكبر، بعد أن غاب الابن الأصغر في المعتقلات أعواما طويلة، وبعد أن يعود يبدو مهاودا مهادنا، لكن الصراع الدموي يتفجر في النهاية، في شكل أقرب إلى المذبحة التي لا تبقي ولا تذر. وهي الميلودراما ذاتها التي كان الكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج عاطف الطيب يعشقانها في أفلامهما معا، وعلى رأسها "كتيبة الإعدام"، حول البطل العائد من غيبة طويلة وراء القضبان، بحثا عن المجرم الحقيقي الذي سرق "حرب أكتوبر"، وأودى ببطلنا إلى السجن. سوف تجد ظلالا من هذه الرمزية السياسية في أفلام مثل "آيس كريم في جليم" لخيري بشارة، الذي يتحدث عن جيل التسعينيات الحائر في تحديد هويته، ويريد أن يتحرر من القيود التي يعتبرها تقليدية. أو فيلم "الدرجة الثالثة" لماهر عواد وشريف عرفة، عن الطبقة الفقيرة التي تصبح وقودا للمعارك، لكنها تظل منبوذة عند توزيع الغنائم. أو فيلم "طيور الظلام" لوحيد حامد وشريف عرفة، عن الصراع بين فساد السلطة وانتهازية التيارات التي تتمسح بالدين. وأخيرا فيلم صلاح أبو سيف "البداية"، الأكثر وضوحا في موقفه من نشأة الطبقة الرأسمالية، التي تستغل فقر الشعوب وجهلها، لتزيدها فقرا وجهلا. في مثل هذه الأفلام الأخيرة نجحت السينما المصرية – إلى حد كبير – في أن تعبر الهوة الفاصلة بين الجدية والترفيه، وهوة أخرى أعمق بين حرية التعبير ورقابة السلطة. وإذا كانت الأغلبية الساحقة من أفلام السينما المصرية لا تميل أصلا لتناول السياسة، فهذا ليس فقط من باب "إبعد عن الشر وغنِ له"، لكنه بسبب كسل وبلادة متأصلين، في قطاع كبير من هذه الصناعة، ما يزال ينظر إلى الدراما كلها باعتبارها "صراعا بين امرأتين ورجل، أوبين رجلين وامرأة"!!