Thursday, December 04, 2014

فيلم "سكر برة"..... عن مرارة نتواطأ عليها بالصمت!

كثيرة هى الأفلام التسجيلية التى تتناول عالم الفقراء بمنطق الفرجة على عالم أنت فى الأغلب لا تعرفه، وربما زادك الفيلم رغبة فى عدم معرفته لأنه عالم أقرب إلى العجائب والغرائب: كائنات على هامش الحياة وليس فى الفيلم ما يدفعك للتساؤل عن بقائها فى هذا الهامش الضيق. وعلى العكس، هناك أفلام تسجيلية تجعلك تقترب من هذا العالم، لأنه فى حقيقة الأمر جزء لا يتجزأ من عالمنا، فنحن الذين ساهمنا فى صنعه، ونحن المسئولون عن استمراره، وهذا لا يأتى فقط من وعى الفنان السينمائى التسجيلى بمادة موضوعه، لكن الأهم هو عشقه لهذه المادة، على نحو ما فعل المخرج باسل رمسيس فى أحدث أفلامه "سكر برة".
وكل أفلام باسل رمسيس السابقة تعكس هذا المزيج من الفهم السياسى والعشق الإنسانى معا، سواء كان عن عالم المهاجرين إلى إسبانيا فى فيلمه "الجانب الآخر"، أو عن حياة النساء الفلسطينيات فى ظل قمع خارجى وداخلى معا فى فيلم "مراجيح". وها هو فى "سكر برة" يذهب بنا إلى قرى شديدة القرب من القاهرة، ويتحدث عن قضية لا تخفى على أحد منا، لكننا نتعامى عنها، وهى قضية زواج الفتيات – بل الأطفال – المصريات من عرب أجانب، زواجا مؤقتا لعل اسمه الحقيقى شىء آخر، فقط من أجل المال، بضع آلاف من الجنيهات يأخذها الأب مقابل "بيع" ابنته، أو تُغوى الفتاة ذاتها لأيام، لتكتشف بعدها أنها أصبحت وحيدة، وربما تتحمل مسئولية طفل نتيجة هذه العلاقة العابرة.
وأفلام باسل رمسيس تتبنى أسلوب "السينما المباشرة"، التى تختلف عن قرينتها "سينما الحقيقة" فى أن هذه الأخيرة تزعم أنها تتلصص على مادة الموضوع، إذ تحاول الشخصيات التى يتم تصويرها الادعاء بأنها غير واعية بأن هناك كاميرا تصورها، بينما السينما المباشرة تؤكد على وجود الكاميرا كعنصر فاعل فى الكشف عن هذه المادة، فترى الشخصيات تتحدث إلى الكاميرا فى أحيان كثيرة، كما يتدخل المخرج بين حين وآخر بسؤال يدفع الحوار إلى المناطق المسكوت عنها.
وفى الحالتين يكون الفيلم فى الحقيقة معرضا لاصطناع من نوع ما، لأن الوقوف أمام الكاميرا يخلق لدى الشخصيات حالة من الحديث "الرسمى" إن جاز التعبير، لكن فيلم "سكر برة" يتفادى ذلك تماما، إذ تعتاد الشخصيات على وجود الكاميرا والمخرج (وهو المصور أيضا) باعتبارهما من نفس العالم، بفضل ذلك التعاطف العميق الذى يتبدى كثيرا فى اللقطات القريبة الحميمة، التى قد تمتد زمنيا لتلتقط مشاعر الشخصية حتى بعد أن تنتهى من حديثها.
لقطات قريبة لوجوه جميلة رقيقة، لكنها تخفى تحت السطح قدرا كبيرا من المعاناة، معاناة الاستسلام للواقع تارة، أو مقاومته تارة أخرى. وربما قد تلتقط عيناك إحدى هؤلاء النساء اللاتى تحكين حكايتهن، لتعتبرها "بطلة" الفيلم (من بطلة الفيلم؟ هذا بالفعل هو السؤال الذى تطرحه إحداهن!)، لكنهن جميعا بطلات بالمعنى الواقعى للكلمة. ولن تنسى أبدا تلك الوجوه أيا كان اسمها: نحمده أو حنان أو أم أوسة أو ميرفت أو شيماء أو وردة، لكل منهن تجربة مع صفقة البيع والشراء عبر "سمسار" بالمعنى الحرفى للكلمة، الصفقة التى تتخفى وراء مصطلح "الزواج العرفى"، المؤقت بأيام أو أسابيع، كأنه (ودعنا نطلق على الأشياء أسماءها الحقيقية) دعارة مقنعة!
وقد تجد فى الفيلم بعض التلامس مع قضايا "نسوية" عديدة، لكنها فى حقيقتها قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية، مثل وجود المرأة التى ترعى أطفالها بدون زوج، أو عمل المرأة لكى تنفق على أسرتها طوعا أو كرها، أو تلك الرؤية الكامنة تحت سطح واقعنا لتطفو فوقه مؤخرا، متمثلة فيما يسمى "الفتاوى الدينية"، التى تؤكد عدم حق المرأة فى المساواة مع الرجل. ومن المشاهد الصادمة بحق (مع أننا نراها ونسمعها عشرات المرات كل يوم) أصوات ناعقة باسم الدين، تردد أقوالا مبتذلة إن لم يكن لها اسم آخر، حول أن "الديك ديك والفرخة فرخة" أو "العلم بتاع الرجالة بس" (يا سلام!!)، أو تبرير ذلك السلوك المرضى الذى يسمح بالزواج من الأطفال، أو بالأحرى بيعهن فى سوق النخاسة.
كنت أرجو أن أرى هذه الوجوه المكفهرة العكرة لمن يسمون أنفسهم شيوخا، لكى تتصادم مع وجوه النساء الرقيقة، لكن المخرج بدا أنه يفضل استخدام تسجيل فقط لتلك الخطب على شريط الصوت، كما كنت أرجو أن يكون هناك اهتمام أكبر بـ"البناء"، فالكثير من مشاهد الفيلم لا يحمل منطقا فنيا فى تتابعها المونتاجى، وتلك ليست مجرد مسألة "شكلية"، لكنها تترك أثرها الواعى وغير الواعى معا لدى المتفرج. لكن ما يعوض ذلك هو وعى المخرج ذاته بالجدل بين الواقع والصورة، والشخصيات والكاميرا، ولتتأمل على سبيل المثال "الكادر" الذى جمع بين الفتاة حنان وهى تصفف شعرها عند "كوافيرة" القرية، وصور النجمات على الحائط، أو تأمل التتابع المونتاجى بين الواقع المرير، وصورته كما جاءت فى أفلام روائية مصرية، مثل "لحم رخيص" أو "النداهة". كما أن هناك وعيا فائقا أيضا بـ"السياق" السياسى، فتمرد النساء والفتيات على وضعهن يتوازى مع "النزول للتحرير"، أو صرخة المطالبة بحق مشروع.
استخدم المخرج باسل رمسيس تعبيرا شعبيا لكى يكون اسم الفيلم، فتعبير "سكر برة" يعنى أن يأتى كوب الشاى منفصلا عن السكر، لكن السكر يظل "برة"، ولا تتبقى من الشاى سوى المرارة. وأجمل وأهم ما فى الفيلم أنه يجعلك تسأل بعد مشاهدته: أليست هؤلاء النساء جديرات بواقع أكثر جمالا وعدلا؟ وهل سوف يتكرر المصير مع أطفال بنات رأيناهن على الشاشة، تراقبن الأحداث فى صمت؟
بل هل نحن الذين سوف نستمر فى مراقبة هذه الوقائع فى صمت؟!                                                 



شبكة تشويه المعلومات "الإنترنيت"



زمان، كان مجرد نشر خبر فى جريدة كفيلا بتصديقه، وعندما كنت تناقش أحدا فى مصداقيته كان يرد عليك بالرد المفحم: "ده منشور فى الجورنان". الآن أصبح المنشور على الإنترنيت – أيا كان دقته أو صحته – يمثل حقائق وهمية، ولا يأخذ منا دقيقة واحدة فى مراجعته وتحقيقه.
فوجئت مؤخرا بفيديو موجود على موقع يوتيوب، يقول من وضعه أنه لحفل فى استوديو مصر عام 1935، وتناقل الجميع هذا الفيديو كحقيقة مسلم بها، رغم أنه لا يمكن أن يكون تصوير هذا الشريط قد تم إلا فى عام 1943 أو 1944. وإليك يا قارئى العزيز بعضا من المراجعة:
1)  يبدو من الفيديو أنه دعوة لحفل يقيمه للمطرب المحبوب "محمد أمين"، الذى لم يصبح مطربا إلا فى عام 1939 بعد عمله مهندس كهرباء فى استوديو مصر، ولم يصبح محبوبا إلا مع أغنيته "نور العيون يا شاغلنى" التى سجلها أوائل الأربعينيات. وكان أول أفلامه "تحيا الستات" و"حب من السماء"، وكلاهما عرض عام 1943، والأخير من إنتاج استوديو مصر.
2)  يتحدث سراج منير عن انتهائه من فيلم يدعى "غرام الصحراء" (وهو الذى أشار له فى الفيديو نفسه بدر لاما)، ولا يوجد فيلم مصرى بهذا الاسم، والأغلب أنه قد تغير اسمه إلى "رابحة" الذى عرض فى عام 1943 وأنتجه استوديو مصر، كما يشير سراج منير لبدئه تصوير فيلم "حبابة" الذى عرض فى عام 1944.
3)  يقدم عبد العزيز خليل نفسه بوصفه "المعلم العتر"، وهذا هو اسم شخصية الجزار التى قام بأدائها فى فيلم "العزيمة" المعروض عام 1939.
4)  تتحدث زوزو ماضى عن "الجمهور اللى وحشته ووحشنى"، بينما أول أفلامها كان "يحيا الحب" فى عام 1938، ثم عادت إلى السينما فى عام 1944 بفيلم "الأبرياء".
5)  يقدم الشريط "وجوها جديدة"، مثل ليلى فوزى، التى كان أول أفلامها "مصنع الزوجات" (1941)، كذلك مديحة يسرى التى لم تظهر على الشاشة إلا فى عام 1942 مع فيلم "أحلام الشباب"
من الواضح إذن إن الشريط كان تقليدا من استوديو مصر لما تصنعه شركات هوليوود من دعاية عن نجومها، أما (1935) التى وردت مطبوعة على الشريط فهذا فقط هو عام تأسيس استوديو مصر.
يقول من وضع تلك القصاصة أنها "مقدمة حفلة استوديو مصر عام 1935، مش ها تصدق"، وكان يجب فعلا ألا نصدق!