Saturday, April 11, 2015

أسطورة هوليوود الشرق



من دلائل عدم نضج الشعوب أن قطاعا كبيرا منها يردد أحيانا مصطلحات وعبارات ليس لها معنى محدد، لكنها تكتسب مع رواجها بريقا خاصا، ولو حاولت أن تجد لها معادلا أو ترجمة فى أى لغة أخرى فسوف تكتشف زيفها. من هذه العبارات فى مجال السينما وحده هناك الكثير، مثل "أفلام البطولة المطلقة"، أو "سينما المضحكين الجدد"، وعلى هذا النحو جاءت تلك العبارة الخالدة التى غرقنا فى وهمها طوال عقود كاملة أن "القاهرة هى هوليوود الشرق".
ولا أدرى لماذا "هوليوود" تحديدا التى اخترناها لتكون طرف ذلك التشبيه، فهناك على سبيل المثال لا الحصر "مدينة السينما" فى إيطاليا، أو "بابل الجديدة" فى ألمانيا، ولكن يبدو أن ذلك جاء نتيجة الافتتان بنوع ما من السينما، لم نجد غيره فى فترة البدايات، نتيجة حالة من "الاحتلال الثقافى" الناعم، الذى فرضته شركات احتكار توزيع الأفلام. ومع ذلك، هل عرفنا حقا ما هى هوليوود، لكى نطمح إلى التشبه بها؟
فى السطور التالية أرجو من القارئ دائما أن يستمر فى المقارنة، وأن يتساءل عند كل فقرة: "هل نحن حقا مثل هوليوود؟". فعلى حين بدأت السينما الأمريكية فى نيويورك على الساحل الشرقى للولايات المتحدة، سرعان ما أدرك صناع السينما أن أجواء كاليفورنيا أكثر ملاءمة للتصوير طوال العام، فى جو مشمس ذى شتاء قصير، يشبه على الأرجح أجواء الإسكندرية التى بدأت السينما فيها عندنا، لتنتقل عندنا إلى القاهرة فى اتجاه معاكس للملاءمة والتنوع، وليس هناك من هدف إلا الاقتراب من عالم "البيزنيس" والتجارة.
وفى ضاحية على الساحل الغربى، أنشئت هوليوود حيث شيدت الاستوديوهات التى تعمل بطريقة التجميع الآلى، مثل صناعة السيارات بالضبط، حيث يوجد المئات من الكتاب والممثلين والمخرجين وكل الفنيين الآخرين، مهمتهم صنع المئات (نعم، المئات) من الأفلام القصيرة كل أسبوع (نعم، كل أسبوع). ومن هنا نشأت الشركات، التى كبر بعضها مع الأيام، ولم تتوقف صناعة السينما عند المحاولات الفردية أيا كان حجمها، مثلما كان – وما يزال – الحال عندنا.
ظلت السينما عندنا أقرب إلى المقاولات منها إلى الصناعة الراسخة، وهذا ما يتضح تماما عندما نعرف أن شركات هوليوود الكبرى سرعان ما أنشأت "اتحادا" بينها، لكى تحتكر الصناعة سواء فى الإنتاج أو التوزيع أو العرض. لذلك اكتسبت هوليوود صبغة مؤسسية، حتى أنها عندما واجهت انتقادا شديدا من مختلف جماعات الضغط، بسبب ما قيل عن المضمون السلبى لأفلام هوليوود، أسرع اتحاد المنتجين والمزعين بتأسيس ميثاق يفرض نوعا من الرقابة الذاتية، لحماية الأفلام من الدعاوى القضائية من جانب، وتحسين صورة الصناعة من جانب آخر. وهكذا فإن "الرقابة" فى أمريكا، وما تزال، تمارس من خلال الصناعة ذاتها، بينما تصبح الرقابة عندنا فى يد "الدولة" أو "الحكومة" بمعنى أدق.
كانت هذه الرقابة الذاتية هى حائط الصد الأول والدائم فى هوليوود، وأمريكا كلها، ضد أى قرار بمنع عرض الأفلام أو مصادرتها، نتيجة الطبيعة "المؤسسية" للصناعة. وفى المقابل أنشئت مؤسسات أخرى تحمى حقوق الفنانين والفنيين ضد ما يمكن أن تفرضه الشركات المنتجة من شروط مجحفة، لتكون هناك نقابات لكتاب السيناريو والممثلين والمخرجين وكل الفروع الفنية الأخرى. ولم تكن هذه النقابات أشبه بالجمعيات الخيرية كما هو الحال عندنا، إذ ينحصر تفكيرها فى "المعاش" أو "العلاج"، وإنما لكل نقابة "عقد" محدد لابد أن يلتزم به الجميع، ينص حتى على ساعات العمل أو الراحة أو الغداء أو الانتقال، فهل فكرت إحدى نقاباتنا الفنية فى ذلك؟ أو إذا كان موجودا، هل تراقب الالتزام به؟
باختصار، يدور العمل فى هوليوود – حتى بين الجبهات المتصارعة - بشكل "جماعى" فى كل شىء، حتى أن "النجوم" بجلالة قدرهم تضامنوا مع "الكومبارس" فى إضرابهم لتحسين شروط عملهم، بينما تبقى محاولاتنا فردية أقرب إلى صراع أهل المهنة الواحدة أنفسهم على اغتنام فرصة للعمل "وخلاص". كما أن هوليوود تعرف بالضبط ماذا تريد من الدولة، وماذا تريد الدولة منها، على عكس ما نرى عندنا من مطالبات من الدولة أحيانا بالدعم والمساندة، بينما يرفع آخرون شعار "رفع يد الدولة عن صناعة السينما". وفى الوقت ذاته، فإن هوليوود تسرع على الفور لخدمة القضايا الوطنية الأمريكية عندما تشعر بالمسئولية فى مد يد المساعدة، كما حدث فى تحولها المذهل فى بدايات الحرب العالمية الثانية من مساندة موقف أمريكا بعدم التدخل فى الحرب، بصنع أفلام تدعو إلى السلام، إلى إنتاج عشرات الأفلام الحربية عندما قررت الحكومة الأمريكية الانضمام إلى الحلفاء.
لم يطلب أحد من هوليوود ذلك، فقامت به من موقع الإحساس بأنها "مؤسسة" وطنية، حتى لو لم تكن تابعة للدولة، بينما تجد عندنا أفلاما فى الفترة الأخيرة تسخر – بالمعنى الحرفى للكلمة – من النضال الوطنى للشعب المصرى بشكل عام، وتوجه قدرا أكبر من السخرية إلى حرب أكتوبر وشهدائها!! وأرجو أن تقول لى متى فعلت هوليوود ذلك، حتى مع هزيمة أمريكا فى حرب فييتنام؟
نحن نضحك على أنفسنا عندما نردد أسطورة "هوليوود الشرق" تلك، بينما تبقى أمامنا أولا مهام أساسية، ليس من بينها مثلا – كما يردد البعض - تشجيع تصدير الأفلام المصرية، أو حمايتها من "القرصنة" (فالأفلام الأمريكية هى الأكثر تعرضا للقرصنة فى كل أنحاء العالم)، وإنما يجب علينا أولا، صناعا للأفلام ودولة، أن نعمل بشكل مؤسسى، ونتخلى عن نزعة فردية، انتهت بنا إلى حال السينما المصرية الآن، التى أصبحت لا تعانى فقط من أزمة، وإنما من مرض عضال مزمن، يبدو أنه ليس لديها له من شفاء.                                              

Sunday, April 05, 2015

أكذوبة السينما المستقلة



جرت العادة في مصر على أن يخترع أحدهم مصطلحا ما، لا يعني في العادة شيئا دقيقا، لكن سرعان ما يجري المصطلح على الألسنة وفوق صفحات الجرائد، بل يتسلل أيضا إلى ما يمكن اعتباره كتبا متخصصة. يحدث هذا الأمر في السينما المصرية كثيرا، مثل مصطلحات "سينما الواقعية الجديدة"، و"أفلام البطولة المطلقة"،  و"السينما الخالصة"، و"المضحكون الجدد"، و"أفلام ومسلسلات السيرة الذاتية" (وخذ بالك من "الذاتية")، وأخيرا "السينما المستقلة"، التي بدت في الآونة الأخيرة اكتشافا جديدا فى السينما المصرية، مع أن هذه السينما ظلت في الأغلب الأعم من عمرها وأفلامها... مستقلة!!!
هل يتطوع أحدنا لتقديم تعريف واضح لهذه السينما؟ هل هي الأفلام قليلة التكاليف، الخالية عادة من النجوم ذوي الأجور العالية؟ لقد كانت هذه هي الأفلام التي صنعت في الثمانينات، خلال فترة ما سمي "أفلام المقاولات"، حين كان الصحفي السابق الذي اكتشف فجأة قدرته على الإخراج ناصر حسين يصنع العديد من الأفلام، بأقل ميزانية ممكنة، حتى أنه يعتبر من أكثر مخرجي السينما المصرية غزارة طوال تاريخها. وقد كانت أفلام المقاولات تلك تلبي أيضا شروطا أخرى من تعريف السينما المستقلة كما نعرفها اليوم، فمخرجها في العادة كان مؤلفها، كما أنها كانت تعرف يقينا أنها لن تجد بدورها فرصة كبيرة للظهور في دور العرض، فكانت تذهب مباشرة إلى سوق شرائط الفيديو المزدهر آنذاك، مثلما يحدث الآن من استهداف ما يسمى أفلام السينما المستقلة للعرض على شاشات القنوات الفضائية، دون الاضطرار إلى البحث عن العرض في سوق بالغ الضيق، تحكمه ممارسات الاحتكار.
إذن هل هي السينما التي يقوم مخرجها بإنتاجها، في مغامرة يكسر بها هذا الاحتكار؟ فماذا يمكن لك إذن أن تسمي أفلاما أنتجها محمد خان لنفسه، وكاد أن يصل إلى حافة الإفلاس، في مغامرات فنية ناضجة مثل "فارس المدينة" أو "يوم حار جدا"؟ وهو ما ينطبق أيضا على ما فعله نور الشريف مثلا مع عشرات المخرجين في أفلامهم الأولى، مثل "ضربة شمس" لخان، أو "دائرة الانتقام" لسمير سيف، ولا يختلف الأمر كثيرا مع أحمد زكي عندما أصر على إنتاج "أيام السادات"، ليحقق حلما فنيا راوده طويلا.
أم أن السينما المستقلة هي التي تتبنى شكلا وأسلوبا جديدين، يبدوان على درجة كبيرة من الاختلاف مع ما تعرفه السينما السائدة؟ إذن لماذ لم نطلق مصطلح السينما المستقلة على أفلام مثل "المستحيل" لحسين كمال، أو "زوجتي والكلب" و"الخوف" لسعيد مرزوق، و"الحاجز" لمحمد راضي، و"التلاقي" لصبحي شفيق، بل أيضا "زائر الفجر" لممدوح شكري، أو "قليل من الحب كثير من العنف" لرأفت الميهي؟
أتراها إذن السينما التي تم تصويرها بالتقنيات الرقمية الأرخص والأسهل في التعامل معها؟ لقد فعل ذلك محمد خان في "كليفتي" وخيري بشارة في "ليلة في القمر"، وهذا هو ما تفعله الآن بالفعل "كل" أفلام السينما المصرية دون استثناء، سواء في مرحلة التصوير أو ما بعدها، بدءا بالمونتاج وحتى تصحيح الألوان والمزج الصوتي. فماذا يبقى إذن للسينما المستقلة أن تتفرد به، وتعرّف نفسها من خلاله؟ للأسف سوف تكون الإجابة صادمة للبعض، ولكن ما باليد حيلة، فلتكن الصراحة هي هدفنا، لكننا سوف نؤجل الإجابة قليلا، لننظر نظرة سريعة، بل خاطفة، في تاريخ السينما المصرية، التي كانت وستظل "مستقلة"!!
منذ بدايتها الأولى كانت هذه السينما تصنع أفلاما من أجل نوع من المغامرة، على نحو ما فعلت عزيزة أمير التي كانت بطلة ما يعتبر أول أفلام السينما المصرية "ليلى"، وقامت ماري كويني فيما بعد – مع زوجها أحمد جلال – بتكوين ثنائي فني من خلال شركتهما الخاصة "استوديو جلال"، كما عرفت السينما المصرية مغامرا بالمعنى الحرفي للكلمة مع الممثل المنتج المخرج (دون خبرة سابقة) أحمد سالم. ولم يكن غريبا أن ينتج صلاح أبو سيف لنفسه فيلما ترك فيه بصمته الفنية الخاصة به (وهي النزعة الطبيعية، وليست الواقعية) في فيلم "لك يوم يا ظالم" المقتبس عن رواية إميل زولا "تيريز راكان".
وحذا حذو أبو سيف، قبله وبعده، عشرات المخرجين الذين أنتجوا أفلامهم بأنفسهم، مستقلين عن أي شركة سينمائية كبرى، وأيضا دون تكوين شركة إنتاجية كبرى، فهكذا فعل مثلا هنري بركات، ومحمود ذو الفقار، وعز الدين ذو الفقار، وحسن الإمام، لتبدو أفلام كل منهم ذات علامة فنية مميزة بهم ولهم، حين أصبحوا "مستقلين" متحررين من أي شروط تمليهم عليهم شركة إنتاجية. وهذا ما سوف يفعله يوسف شاهين في مرحلة لاحقة، كذلك رأفت الميهي، وإيناس الدغيدي، وأسامة فوزي. بل لم يكن غريبا أن يدخل إلى الساحة أيضا كتاب سيناريو، مثل جليل البنداري الذي أنتج فيلمه "الآنسة حنفي"، أو وحيد حامد منذ "اللعب مع الكبار"، مرورا بأفلام مثل "طيور الظلام" و"معالي الوزير" وأفلام عديدة أخرى.  
ولم يتوقف الأمر عند المخرجين منتجين لأفلامهم، لكن كثيرا ما كان الممثلون والممثلات يفعلون ذلك، والذين يمكن أن نذكر من بينهم حسين صدقي بأفلامه ذات الطابع الأخلاقي المحافظ، وأنور وجدي بقدرته على تقديم "توليفة" جماهيرية فريدة، ناهيك عن عشرات نعجز هنا عن حصرهم، مثل يوسف وهبي، وفريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وعبد العزيز محمود، ومحمد فوزي. ومن التجارب "المستقلة" التي تحتل مكانا مهما في تاريخ السينما المصرية تلك الأفلام التي قدمها فريد شوقي عبر رحلته الفنية الطويلة، التي احتل في بدايتها مكانة بطل "الأكشن" في "جعلوني مجرما" و"النمرود" و"رصيف نمرة 5"، (وهي جميعا والأفلام التي سيأتي ذكرها من إنتاجه)، ليقدم بعدها – في مواكبة لـ"العهد الجديد" بعد ثورة يوليو 1952 - أفلاما ذات بعد سياسي رمزي كما في "الفتوة"، أو بعد سياسي مباشر كما في "بور سعيد". وعندما تقدم به العمر، قدم أفلاما ذات طابع ميلودرامي، مثل "البؤساء" و"الموظفون في الأرض" و"شاويش نص الليل".
لن تخطئ التعرف على محاولات إنتاجية مستقلة أخرى، لنجوم أرادوا صنع صورة نجوميتهم بأنفسهم، أو تغيير هذه الصورة أحيانا، بعيدا عن تحكم شركات كبرى في أعمالهم. فعلى هذا الدرب سار – على سبيل المثال لا الحصر – كمال الشناوي، وفاتن حمامة، وعماد حمدي، ويحيى شاهين، وماجدة. لكن ربما كان الأقرب لفريد شوقي في إرادته القوية في صنع صورة نجوميته هو نور الشريف، الذي كان بطلا لـ"الأكشن" في "دائرة الانتقام"، وللميلودراما في "قطة على نار"، والرومانسية في "حبيبي دائما"، والكوميديا الاجتماعية في "آخر الرجال المحترمين". كذلك فعل محمود ياسين منذ نهاية السبعينيات، بعد أن بدأت نجوميته الخاطفة في الخفوت، لينتج لنفسه أفلاما مثل "وضاع العمر يا ولدي" و"الجلسة سرية" و"نواعم". ومن أفضل أفلام السينما المصرية طوال تاريخها تلك الأفلام "المستقلة" التي أنتجها أبطالها من الممثلين والممثلات، مثل "عودة مواطن" ليحيى الفخراني (سوف ننسب الفيلم هنا لبطله ومنتجه)، و"المرشد" لمحمود الجندي (وهو فيلم مظلوم بحق)، و"سوبر ماركت" لنجلاء فتحي، و"سمع هس" لممدوح عبد العليم.
إن هذا لا يعني أنه كانت هناك "كيانات" إنتاجية كبرى (أو صغرى) في السينما المصرية، مثل استوديو مصر، أو شركة آسيا، ورمسيس نجيب، وحلمي رفلة، أو شركات القطاع العام. لكن مرة أخرى أليس من الغريب أن يكون فيلم "درب المهابيل" للمخرج توفيق صالح، من إنتاج شركة عابرة لم تنتج سوى هذا الفيلم، تدعى "شركة أفلام النجاح"؟ وفي الحقيقة أن هذه الكيانات الإنتاجية لم تكن تمثل سطوة احتكارية على السوق إلا فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة، حين سيطر اقتصاد الاحتكار على كل شيء، لكن لا يبقى في الذهن من هذه الكيانات، وفي سوق الإنتاج أيضا، سوى عدد محدود للغاية، مثل شركتي السبكي وإخوان العدل. والغريب أن الشركتين بدأتا بطموح فني لا ينكر، فالسبكي صنع أفلاما مثل "المشبوه" و"حب في الزنزانة" و"النمر والأنثى"، و"الرجل الثالث"، لينقلب على أعقابه بعد "اسماعيلية رايح جاي" لينتهي إلى "عوكل" و"حاحا وتفاحة". وفي مسار مشابه بدأ إخوان العدل بأفلام مثل "حرب الفراولة" و"إشارة مرور"، لينتقلوا بدورهم إلى "صعيدي في الجامعة الأمريكية" و"جاءنا البيان التالي" و"اللي بالي بالك".
إنك كثيرا ما تسمع فنانينا يصرخون بأعلى صوتهم، مطالبين "الدولة" بأن ترفع أيديها عنهم حتى ينالوا "الاستقلال"، لكنك تسمع منهم أيضا صرخات تطالب الدولة ذاتها بأن تنتج "لهم" أفلاما!! تلك المفارقة هي أحد أوجه أزمتنا الثقافية، وهي الأزمة التي قد أستطيع أن ألخصها لك في وقائع حضرتها. كان ذلك أيام أن ظهرت في السوق السينمائية المصرية شركتان قامتا بشراء معظم أفلام هذه السينما، وبدا أن هناك رغبة في احتكار هذه الأفلام، مع وعد (غامض ومؤجل كالعادة، ولم يتحقق قط) ببناء مئات دور العرض، وإنتاج عشرات الأفلام. وبينما كنت من بين الذين رأوا هذين الكيانين عشوائيين، كان رد بعض صناع الأفلام "الثوريين": كيانات عشوائية كبيرة أفضل من كيانات عشوائية صغيرة (هكذا بالنص، في برنامج في التليفزيون المصري).
وسارع هؤلاء السينمائيون إلى أصحاب هاتين الشركتين، وكل منهم يسعى للحصول على عقد لصنع فيلم له. للأسف لم يفكر معظمهم في حال السينما، أو كونها مستقلة أم لا، فالأهم بالنسبة لهم الوصول إلى حل فردي ما. وهذا الحل الفردي هو أكثر ما يميز ما يسمى "السينما المستقلة" في الآونة الأخيرة، فالمهم هو صناعة فيلم، بتمويل من منظمة أوربية ما، ولبيعه لقناة فضائية ما، دون أن يفكر صناع هذه الأفلام في تكوين اتحاد يضمهم معا، يتشاركون فيه في صنع الأفلام بعيدا عن أسلوب اقتناص فرصة "وخلاص"، ويفكرون فيه بجدية في إنشاء منافذ ونوافذ لعرض أفلامهم، حتى تكتسب جمهورا جديدا.
لم نتطرق إلى المستوى الفني لأفلام ما يسمى "السينما المستقلة"، والتي هي بتعبير أدق "سينما الحل الفردي"، لأن ذلك يتجاوز هدفنا هنا في هذه المساحة، لكننا أردنا أن نشير إلى أن الحل الفردي هو السمة الغالبة في إنتاج السينما المصرية، التي يحلو للبعض أحيانا أن يطلق عليها "هوليوود الشرق"، لكن تلك أكذوبة أخرى!!