Sunday, March 18, 2018

فيلم "الأمير الصغير".... الرحلة الدائمة للبحث عن الطفولة


لعلك سوف تسأل نفسك بعد أن تشاهد فيلم التحريك "الأمير الصغير" The Little Prince، هل هو فيلم موجه للأطفال حقا؟ فالفيلم يكاد أن يخلو من الألاعيب السينمائية التي تشد انتباه الأطفال في هذه النوعية من الأفلام، مثل مشاهد المطاردات التي تشبه ركوب أرجوحة مدينة الملاهي، أو النكات السطحية التي لا تتطلب التفكير كثيرا، بل هو على العكس من ذلك كله، فيلم متأمل ذو إيقاع متمهل، يحتشد بالكثير من الفلسفة الصافية، لذلك كله أنصحك أن تصحب طفلك وهو يشاهد الفيلم، لتشرح له تلك الأبعاد التي هي من المؤكد أبعد من إدراكه.
ليس هذا عيبا في الفيلم، لكن سببه الوحيد أنه فيلم تحريك فرنسي، يختلف تماما عما اعتدناه مع أفلام الأسلوب الأمريكي. كما أنه يعتمد على قصتين في وقت واحد، يغزلهما معا طوال الوقت، مما قد يثير بعض الغموض لدى المتفرج. ولعل من المهم في البداية أن نشير إلى أن "الأمير الصغير" رواية قصيرة كتبها الأديب والطيار الفرنسي المغامر أنطوان دي سانكسبيري، ويعتبرها الفرنسيون أفضل عمل أدبي لديهم طوال القرن العشرين، وترجمت إلى لغات عديدة، وحققت أرقام مبيعات قياسية، ومع ذلك كله فليس الفيلم نسخة سينمائية من الرواية، بل هو عمل يستخدم الرواية كرواية باعتبارها أحد خيطين سرديين، يكون فيهما الخط الرئيسي هو قصة يفترض أنها الواقع، لذلك استخدم الفيلم أسلوبين مختلفين في التحريك: محاكاة الواقع في القصة الأشمل، والتحريك كادرا وراء كادر للقصة الداخلية لما يبدو أنها عرائس مصنوعة من الورق.
في تجربة واقعية خلال الثلاثينيات كان الطيار دي سانكسبيري – في محاولة منه لتحقيق رقم قياسي في سرعة الطيران - قد تعرض للسقوط بطائرته في الصحراء الكبرى فى أفريقيا، ليضل فيها الطريق أياما حتى أنقذه أحد البدو من الموت، لكن التجربة المريرة جعلته يعيد النظر في الكثير من أساسيات الحياة. وبعدها بسنوات، خلال بداية الأربعينيات، ومع سقوط فرنسا في أيدي النازيين، اختار دي ساكسبيري منفى اختياريا في أمريكا الشمالية، حيث كتب هذه الرواية القصيرة، وزودها برسوم ملونة بسيطة، لكن الرواية كانت في الحقيقة تأملا منه للحياة، والكون. ويمكنك أن تلخص الرواية في كلمات بسيطة: طيار هائم على وجهه، يقابل فتى صغيرا في الصحراء يقول أنه أتى من كوكب آخر، ليتعلم الرجل على يد الطفل الكثير من دروس الحياة.
كان من الصعب تماما تحويل هذه الرواية إلى فيلم، لذلك فليس لها – رغم شهرتها الفائقة – إلا نسخة سينمائية واحدة بالتمثيل الحي وليس بالتحريك، تعود إلى عام 1974، لم تترك أثرا كبيرا في تاريخ السينما، ذلك لأن الرواية خالية من الأحداث، مليئة بالأفكار المجردة. ومن هنا بدأ كاتبا السيناريو إيرينا برينيول وبوب بيريشيتي، والمخرج مارك أوزبورن، فكرة أن يدور فيلم التحريك ليس عن الرواية ذاتها، بل عن الأثر الذي يمكن أن تتركه في الأطفال.
لذلك يتشابك الواقع مع الخيال في الفيلم، فقصته الرئيسية عن طفلة، هي مثل كل الشخصيات هنا بلا اسم محدد (تقوم بصوت الشخصية ماكيني فوي، في النسخة الناطقة بالإنجليزية المعروضة لدينا)، تتعرض لسيطرة كاملة من أمها (صوت راشيل ماكادامز)، التي تخطط لمستقبل الابنة بالمسطرة والقلم، وتضع لكل خطة بدائل، ولكل منها توقيتها الدقيق، وحلمها أن تلتحق الابنة بمدرسة ذات سمعة وشهرة، مما يشكل ضغطا عصبيا شديدا على الطفلة، التي تكاد ألا تعيش طفولتها.
ولأن الأم تفشل في العثور على منحة دراسية مجانية للطفلة، فإنها تضطر لبيع المنزل، والحياة في منزل يبدو متقشفا تماما، بل قل إنه يخلو من الحياة. وذات يوم تعرف الطفلة بوجود جار عجوز (صوت جيف بريدجز)، لديه طائرة قديمة في فنائه الخلفي، ويحاول أن يطير بها، لكنه يخفق مسببا بعض الأضرار، التي لا تثنيه أبدا عن تكرار المحاولة. إن الرجل العجوز يبدو وحيدا، يبتعد عنه الجيران، وهو يبحث عن صديق، يحكي له بعض حكاياته، فيلقي بورقة من رواية "الأمير الصغير" لتسقط أمام الطفلة، التي تخاف في البداية، ثم تطمئن عندما يعطيها العجوز كمية كبيرة من العملات المعدنية، تعويضا عن الزجاج الذي كسره بمروحة طائرته، لتجد الطفلة بين العملات تمثالا صغيرا للأمير الصغير، المرسوم في الورقة التي ألقى بها العجوز إليها.
يدفع الفضول الفتاة الصغيرة إلى أن تتسلل إلى منزل الرجل العجوز، فإذا به على النقيض تماما من منزلها، ربما قد تبدو الفوضى سائدة، لكن المكان يتنفس بالحياة. ومن هنا يبدأ تداخل القصة شبه الواقعية للطفلة، مع القصة الخيالية للأمير الصغير، وكل منهما يستخدم أسلوبا مختلفا في التحريك. يحكي لها الطيار العجوز أن الأمير الصغير (صوت بول رود) قد جاء من كوكب بعيد، حيث ترك وردة يانعة كانت صديقته ليطوف في الدنيا الواسعة، ويمر بعوالم مختلفة، لا يأتي اختلافها من أشكال الكائنات الفضائية التي عهدناها في الأفلام، وإنما من "الأخلاقيات"، فهذا هو كوكب الرجل المغرور المتباهي بنفسه، كأن الكون قد خلق من أجله وحده، وذاك كوكب رجل الأعمال، الذي لا تعني له الحياة شيئا إلا تراكم الثروة، وأخيرا يصل إلى الأرض، إلى الصحراء الكبرى، حيث الطيار في شبابه قد انقطعت به السبل، وبدا أنه على حافة الفناء.
يقضي الطيار الشاب والأمير أياما في الصحراء، تبدو خلالها براءة الأمير الطفل كأنها بوابة سحرية لإثارة الكثير من الأسئلة، فعندما يطلب من الطيار أن يرسم له خروفا لا يقتنع بأي رسم منها، ويقنع برسم لصندوق مغلق يتخيل أن الخروف بداخله، قائلا: "إن ما هو جوهري غير مرئي للعين، بالقلب فقط يمكنك أن ترى الأشياء على حقيقتها"، فكأنها إشارة لخيال الطفولة، الأكثر ثراء من جفاف الواقع. ولأن الأمير لابد أن يرحل يوما، عائدا إلى كوكبه ووردته، فإن الطفلة تصاب بالصدمة، وتعلن رفضها لقصة الأمير الصغير، وتعود إلى حياتها المعتادة، كما رسمتها أمها تماما، خالية من الخيال.
لكن عندما يسقط الرجل العجوز مريضا، ويُحمل إلى المستشفى وحيدا، تدرك الطفلة أنه بحاجة حقيقية إلى صديق، فتقرر أن تبحث بنفسها عن الأمير الصغير. وهنا يتضح المعنى الأهم في الفيلم كله، إنه يتحدث عن التحول من الطفولة إلى النضج، وما نفقده خلال هذا التحول، الذي يأتي على شكل رحلة بحث، تقوم بها الطفلة، تنتهي بها إلى كوكب رمادي تماما، كل ما فيه ينضح بالكآبة، يمتلكه رجل الأعمال الذي قرر أن يشتري كل النجوم، وشرطي الكوكب هو الرجل المغرور الذي يشعر بالسعادة المريضة وهو يسجل المخالفات للناس ويقبض عليهم، أما الأمير الصغير فقد أصبح فتى، يعمل عامل نظافة!!
لا يقتصر الأمر فقط على العمل المتواضع الذي انتهى إليه الأمير، لكنه نسي أيضا ماضيه، وكوكبه الذي جاء منه، ووردته التي تركها فيه. وفي مشهد التشويق الوحيد القصير في الفيلم، ينجح الأمير والطفلة في الهرب من الكوكب الرمادي، والعودة إلى كوكب الأمير، الذي تحول بدون وجوده إلى أعشاب جافة، وذبلت وردته، ما كاد أن يمسك بها حتى تفتت بين أصابعه. لكنه مع شروق الشمس على الكوكب يعود طفلا مرة أخرى، ليبقى السؤال حول إذا ما كان قد غادر الكوكب، وغادر الطفولة معا، وهل لابد أن يعود إليهما؟
لكل منا كوكب طفولته، الذي كان فيه خياله يُكمل صورة الواقع، هذا الخيال الضروري للحياة، حتى لو فرضت علينا هذه الحياة رحلة في أرض قاحلة. ولا يخلو الفيلم والرواية من روح صافية، حين يبدو كأنه يشير بطرف خفي إلى أن النضح يحتم علينا أحيانا أن نقبل صاغرين برحيل الآخرين، كل أنواع الرحيل، لكنه يذكرك أن ذلك يشبه أن تترك صَدَفة، أو قشرة قوقعة، لتبدأ رحلة جديدة، فالحياة والموت لا يتوقفان أبدا عن إثارة الخيال، حول الترحال والسؤال.                                                     


Saturday, February 10, 2018

فيلم "كوكو".. الذكرى الجميلة تقهر كل أشكال الموت



ربما هي من بين المرات النادرة التي تقوم فيها شركة "بيكسار" للتحريك، بصنع فيلم عن بشر عاديين، وهي التي اشتهرت بأفلام الدمى والحشرات والوحوش والأبطال الخارقين، في سلسلة "قصة لعبة" و"شركة الوحوش" و"حياة حشرة"، لكنها في فيلمها الأخير "كوكو" ما تزال تحافظ على السباحة في عوالم أسطورية، وما تزال أيضا تقدم وجبة سينمائية رائعة ليست للصغار وحدهم، وإنما الكبار أيضا، وجبة تحتوي على أرقى ما في الحضارة الإنسانية من قيم أخلاقية، بل سياسية أيضا.
يأخذك فيلم "كوكو" إلى عالم الشعب المكسيكي، العاشق للموسيقى من جهة، الدءوب في عمله من جهة أخرى، لكن الفيلم يدور حول طقس ديني شعبي يقام كل عام، محوره أن من رحلوا عن حياتنا الأرضية لم يموتوا حقا، وأنهم يخرجون من قبورهم يوم "عيد الموتى" كل عام، ما دام أهلوهم ما يزالون يتذكرونهم، ويضعون صورهم وسط القرابين والشموع، أما الموت الحقيقي، الفناء، فيحدث عندما يصبح المرء نسيا منسيا، لا يتذكره أحد ولا يصنع له قربانا ويضع صورة.
تأمل في البداية كيف أن فيلما للأطفال يدور حول "الموت"، لكن فيلم "كوكو" يصنع من هذه الفكرة قيمة إنسانية رفيعة، حين يحث المتفرج على قبول رحيل الأعزاء، بشرط عدم نسيانهم، وبذلك فإنهم يظلون معنا بأرواحهم. إنها فكرة قد تكون عصية على الفهم، شديدة التعقيد إذا ما نظرنا إليها من الجانب الفلسفي، لكن فيلم "كوكو" يصوغها على نحو رائق راقٍ، شديد السلاسة والعذوبة والبساطة. بل إن اختيار شخصية "كوكو" – رغم قصر دورها – بطلة للفيلم هو بالتحديد مضمونه، لقد كانت كوكو – في الزمن الماضي للأحداث - ابنة صغيرة لعازف موسيقي، يغني لها أغنيته "تذكريني" وهي ترددها معه، لكن الأب اختفى فجأة وتركها مع أمها وحيدة، وهي الآن – في الزمن المعاصر للأحداث – أصبحت عجوزا طاعنة في السن، فقدت ذاكرتها وإن كانت الأسرة ما تزال ترعاها، لكن هذه الذاكرة تعود عندما تسمع لحن أغنية "تذكريني"، وفي المشهد التالي، ونهاية الفيلم، تكون قد رحلت عن الدنيا، لكن الأسرة تظل تتذكرها وتنتظر قدومها في "عيد الموتى".
كوكو إذن تمثل تلك الخطوة التي تفصل ما بين عالم الدنيا وما بعدها، هي الذاكرة التي نستعيدها في الحياة فيصحو الأجداد من رقادهم، وهي أيضا تذكر الآخرين الدائم لها لكي تكتسب وجودا خالدا حتى بعد الرحيل، لكن تعال بنا نبدأ الحكاية من البداية. ميجيل ريفيرا (صوت أنطوني جونزاليز) صبي في العاشرة من العمر، يحلم أن يكون عازفا موسيقيا، لكن ربة العائلة نينة إيلينا (صوت رينيه فيكتور) تفرض حظرا تاما على عمل أي فرد من أفراد الأسرة بالموسيقى، وهم يعملون جميعا صانعي أحذية، أما السبب فهو أن الجد الأكبر هكتور، الذي كان عازفا، رحل ذات يوم على نحو غامض تاركا أسرته للمجهول، خاصة ابنته الطفلة كوكو، التي أصبحت اليوم عجوزا فاقدة للذاكرة (صوت أنّا أوفيليا مورجيريا).
إن ميجيل مهووس بالموسيقى، ويحاول أن يشترك كعازف في مهرجان عيد الموتى، ويلتقي بعازف متجول يكاد أن يعطيه جيتاره، لولا أن نينة إيلينا تلاحقه وتنهاه وتحطم الجيتار. كما أن ميجيل يحلم أن يكون عازفا شهيرا مثل النجم السينمائي الراحل إرنستو معبود الجماهير. وفي الوقت ذاته فإن هناك سرا خفيا يثير فضول ميجيل، عندما يكتشف أن الأسرة تخفي صورة أحد موتاها، الذي كان يحمل جيتارا يشبه جيتار إرنستو.
يذهب ميجيل في الليل، وسط مهرجان عيد الموتى، ليتسلل إلى مقبرة إرنستو ليأخذ جيتاره، لكنه ما يكاد يلمس الجيتار حتى يصبح خفيا، لا يراه إلا كلبه دانتي، لقد انزلق ميجيل رغما عنه إلى عالم الموتى، ليبدأ رحلة استكشاف مثيرة، يعرف منها الكثير عن أسرار عائلته. إنه يتصور للوهلة الأولى أن إرنستو (صوت بنجامين برات) هو جده الأكبر، كأنه يتمسح بأحد الموهوبين ليؤكد لنفسه موهبته، لكنه يقابل هكتور (صوت جايل جارسيا بيرنال)، الذي يبدو صعلوكا من صعاليك الشوارع، لكن تربطه علاقة ما مع موتى أسرة ميجيل، الذين يرفضون جميعا التعامل معه، خاصة الجدة إيملدا (صوت ألانا أوباك)، التي سوف يتضح أنها ليست سوى زوجة هكتور.  
لكي يعود ميجيل إلى عالم الأحياء لابد له من أن ينال بركة العائلة، والعائلة لا تستطيع أن تمنحه بركتها لأنها لا تستطيع أن تصعد لتأخذ القربان الخاص بها، لأن صورتها في حوزة ميجيل دون أن يعرف العلاقة بين الأمرين، بل إن هكتور بالذات أصبح مهددا بالهلاك الأبدي لأنه ليست له صورة مع أحد أقاربه (إنها الصورة المطوية التي عثر عليها ميجيل في السابق). وهكذا بات ميجيل محاصرا، ليكتشف الحقيقة المرة: إن الصعلوك هكتور، الذي ترفضه العائله، هو جده الأعلى، والد كوكو، الذي كان صديقا لإرنستو، وعندما قرر هكتور التوقف عن الموسيقى والتفرغ لعائلته، وضع إرنستو له السم في الشراب ليموت وحيدا ضائعا وقد تصورت  عائلته أنه قد تخلى عنها، بينما سرق إرنستو ألحان هكتور ونسبها لنفسه، ليصبح من المشاهير.
ينجح ميجيل في النهاية – ببركة العائلة – في العودة إلى عالم الأحياء، وقد عرف من جده الأكبر هكتور حكاية أغنية "تذكريني"، ليغنيها للجدة كوكو، التي تستعيد بها ذاكرتها، وخطابات أبيها لها في طفولتها، كما عاد هكتور ذاته إلى ذاكرة العائلة التي لن تنساه أبدا، مما سوف ينقذه من الهلاك الأبدي. وفي مشهد النهاية نرى ميجيل وهو يحكي لأخته الوليدة حكاية الجدة كوكو، التي سوف تظل بدورها في ذاكرة عائلتها إلى الأبد.
أرجو أن تجلس بعد نهاية الفيلم لتتامل من العناوين الأخيرة كيف أن المئات – بالمعنى الحرفي للكلمة – اشتركوا في صناعة الفيلم، بينما نحن نتصور أن أفلام الأطفال لا تتطلب جهدا مثل ذلك الذي تتطلبه الأفلام الروائية الطويلة، كما أن ذلك يعكس مفهوم "صناعة السينما" بشكل مجسد، فهي صناعة أصبحت تقوم على عشرات التخصصات الكبيرة والصغيرة، وليس فقط مجرد وجود نجم أو نجمة كما هو الحال عندنا. إن ذلك يتبدى – على سبيل المثال – في أن الصور المتحركة، المخلقة على الكومبيوتر، تحتشد بالحركة في كل بوصة منها، وفي كل رمشة جفن وارتعاشة إصبع، حتى أنك تنسى تماما أنك أمام فيلم بالتحريك.
لكن المثير للاهتمام بحق هو أن تقوم شركة أمريكية بصنع فيلم عن الثقافة اللاتينية، بأصوات ممثلين كلهم من اللاتين، لكن الأمر ليس غريبا على أية حال على شركة بيكسار، المعروفة برؤاها التقدمية، التي تقوم في كل أفلامها على الدعوة لعدم العنصرية، ولتفاعل الثقافات المختلفة، فكأنها تساهم في خلق مواطن أمريكي يرى العالم بمنظور أكثر رحابة وسعة أفق. كما أن المشاعر التي تسري في أفلامها تدعو دائما لضرورة النزعة الجماعية، والتخلي عن النزعة الفردية الاستهلاكية، والنظر إلى المجتمعات الأخرى بعين الاعتبار والاحترام.
تأمل على سبيل المثال عالم الدمى في "قصة لعبة"، أو عالم الوحوش في "شركة الوحوش المحدودة"، وهنا حتى عالم الموتى مليء بالمباهج، والنظام، فبينما يقيم الأحياء لهم عيدا وكرنفالا، يقيم الموتى لأنفسهم هذا العيد بكل تجلياته. من جانب آخر فالفيلم لا يخلو من قيمة تساعد المتفرج الطفل على النضوج: إن ميجيل يصر على حلمه أن يكون عازفا موسيقيا رغم كل العقبات، كما تبدو السينما ذاتها في بعض المشاهد هي حاملة الذاكرة، في الأفلام التي اشترك فيها في الماضي معبود الجماهير إرنستو، قبل أن تتكشف حقيقته الزائفة، التي سجلتها السينما أيضا. وفيلم مثل "كوكو" الذي أخرجه لي أونكريتش، عن معالجة اشترك فيها ستة من الكتاب، يمثل أيضا ذاكرة لأطفال اليوم، يتذكرونها بعد أعوام، فكأنه الجسر الذي لا يربط فقط بين عالمي الأحياء والموتى، بل بين الواقع المجسد والخيال المجنح.